وقيل : هذا أمر إباحة. واتفق العلماء على أن الهدي إذا كان تطوعاً كان للمُهْدِي أن يأكل منه، وكذلك أضحية التطوع؛ لأن النبي - ﷺ - أمر أن يؤخذ من كل جزور بضعه، فطبخت، وأكل لحمها، وحسي من مرقها، وكان هذا تطوعاً. واختلفوا في الهدي الواجب في النذور والكفارات والجبرانات للنقصان مثل دم القران ودم التمتع ودم الإساءة ودم التقليم والحلق، والواجب بإفساد الحج وفواته وجزاء الصيد. فقال الشافعي وأحمد : لا يأكل منه. وقال ابن عمر : لا يأكل من جزاء الصيد والنذور، ويأكل مما سواهما. وقال مالك : يأكل من هدي التمتع، ومن كل هدي وجب عليه إلا من فدية الأذى وجزاء الصيد والمنذور. وعند أصحاب الرأي : يأكل من دم التمتع والقران ولا يأكل من واجب سواهما.
قوله :﴿ وَأَطْعِمُواْ البآئس الفقير ﴾. يعني الزمن الفقير الذي لا شيء له.
قال ابن عباس : البائس الذي ظهر بؤسه في ثيابه وفي وجهه، والفقير الذي لا يكون كذلك فتكون ثيابه نقية ووجهه وجه غني. والبؤس شدة الفقر.
قوله :﴿ ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ ﴾. العامة على كسر اللام، وهي لام الأمر. وقرأ نافع والكوفيون والبزي بسكونها، إجراء للمنفصل مجرى المتصل نحو كتف، وهو نظير تسكين هاء ( هو ) بعد ( ثُمَّ ) في قراءة الكسائي وقالون حيث أجريت ( ثُمَّ ) مجرى الواو والفاء والتَّفَث : قيل أصله من التف. وهو وسخ الأظفار قلبت الفاء ثاء كمعثور في معفور. وقيل : هو الوسخ والقذر يقال : ما تفثك. وحكى قطرب : تفث الرجل، أي : كثر وسخه في سفره. قال الزجاج : إن أهل اللغة لا يعرفون التّفَث إلا من التفسير. وقال المبرد : أصل التفث في كلام العرب كل قاذورة تلحق الإنسان فيجب عليه نقضها. وقال القفال : قال نفطويه : سألت أعرابياً فصيحاً ما معنى قوله :﴿ ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ ﴾، فقال : ما أفسر القرآن، ولكنا نقول للرجل : ما أتفثك، أي : أوسخك وما أدرنك. ثم قال القفال : وهذا أولى من قول الزجاج لأن القول قول المثبت لا قول النافي. والمراد بالتفث هنا : الوسخ والقذارة من طول الشعر والأظفار والشعث والحاج أشعث أغبر، والمراد قص الشارب والأظفار ونتف الإبط وحلق العانة. والمراد بالقضاء إزالة ذلك، والمراد به الخروج من الإحرام بالحلق وقص الشارب والتنظيف ولبس الثياب. وقال ابن عمر وابن عباس : قضاء التفث مناسك الحج كلها. وقال مجاهد : هو مناسك الحج وأخذ الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وقلم الأظفار. وقيل : التفث هنا رمي الجمار. وقيل : معنى « لِيَقْضُوا تَفَثَهُم » ليصنعوا ما يصنعه المحرم من إزالة شعر وشعث ونحوهما عند حله، وفي ضمن هذا قضاء جميع المناسك إذ لا يفعل هذا إلا بعد فعل المناسك كلها.
قوله :« وَليُوفُوا ». قرأ أبو بكر « وَليُوفُّوا » بالتشديد، والباقون بالتخفيف.