قوله تعالى :﴿ ذلك وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله ﴾ الآية. « ذَلِكَ » خبر مبتدأ مضمر، أي : الأمر والشأن ذلك، قال الزمخشري : كما يقدم الكاتب جملة من كلامه في بعض المعاني، فإذا أراد الخوض في معنى آخر قال هذا، وقد كان كذا. وقدره ابن عطية : فرضكم ذلك أو الواجب ذلك. وقيل : هو مبتدأ خبره محذوف، أي ذلك الأمر الذي ذكرته. وقيل : في محل نصب أي : امتثلوا ذلك. ونظير هذه الإشارة قول زهير بعد تقدم جمل في وصف هرم بن سنان :

٣٧٦٢- هذَا وَلَيْسَ كَمنْ يَعْيَا بَخُطَّتِهِ وَسْطَ النَّدِيّ إِذَا نَاطِقٌ نَطَقَا
والحرمة ما لا يحلّ هَتْكُه، وجمييع ما كلفه الله بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرها، فيحتمل أن يكون عاماً في جميع تكاليفه، ويحتمل أن يكون خاصاً فيما يتعلق بالحج.
وعن زيد بن أسلم : الحرمات خمس : الكعبة الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمشعر الحرام. وقال ابن زيد : الحرمات ههنا : البيت الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمسجد الحرام، ( والإحرام ).
وقال الليث : حرمات الله ما لا يحل انتهاكها.
وقال الزجاج : الحرمة ما وجب القيام به، وحرم التفريط فيه.
قوله :« فهو » « هُو » ضمير المصدر المفهوم من قوله :« وَمَنْ يُعَظّم »، أي؛ فتعظيم حرمات الله خير له، كقوله تعالى :﴿ اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى ﴾ [ المائدة : ٨ ] و « خير » هنا ظاهرها التفضيل بالتأويل المعروف ومعنى التعظيم : العلم بوجوب القيام بها وحفظها.
وقوله :« عِنْدَ رَبِّهِ » أي : عند الله في الآخرة. وقال الأصم : فهو خير له من التهاون.
قوله :﴿ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنعام إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ ﴾ ووجه النظم أنه كان يجوز أن يظن أن الإحرام إذا حرم الصيد وغيره فالأنعام أيضاً تَحْرُم، فبيَّن تعالى أن الإحرام لا يؤثر فيها، ثم استثنى منه ما يتلى في كتاب الله من المحرمات من النعم في سورة المائدة في قوله :﴿ غَيْرَ مُحِلِّي الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ [ المائدة : ١ ]، وقوله :﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ ﴾ [ الأنعام : ١٢١ ].
قوله :﴿ إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ ﴾ يجوز أن يكون استثناء متصلاً، ويصرف إلى ما يحرم من بهيمة الأنعام لسبب عارض كالموت ونحوه. وأن يكون استثناءً منقطعاً؛ إذ ليس فيها محرم وقد تقدم تقرير هذا أول المائدة.
قوله :« مِنَ الأَوْثَانِ ». في « مِنْ » ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها لبيان الجنس، وهو مشهور قول المعربين، ويقدر بقولك الرجس الذي هو الأوثان. وقد تقدم أن شرط كونها بيانية ذلك ويجيء مواضع كثيرة لا يتأتى فيها ذلك ولا بعضه.
والثاني : أنها لابتداء الغاية.
قال شهاب الدين : وقد خلط أبو البقاء القولين فجعلهما قولاً واحداً. فقال : و « مِنْ » لبيان الجنس، أي : اجتنبوا الرجس من هذا القبيل وهو معنى ابتداء الغاية ههنا يعني أنه في المعنى يؤول إلى ذلك ولا يؤول إليه البتة.


الصفحة التالية
Icon