واستشكلت من حيث إنه جمع متناه، وخرجت على وجهين :
أحدهما : ذكره الزمخشري : وهو أن يكون التنوين عوضاً من حرف الإطلاق عند الوقف، يعني أنه وقف على « صَوافِي » بإشباع فتحة الياء فتولد منها ألف، يسمى حرف الإطلاق، ثم عوض عنه هذا التنوين، وهو الذي يسميه النحويون تنوين الترنم.
والثاني : أنه جاء على لغة من يصرف ما لا ينصرف. وقرأ الحسن « صَوَافٍ » بالكسر والتنوين، وجهها أنه نصبها بفتحة مقدرة فصار حكم هذه الكلمة كحكمها حالة الرفع والجر في حذف الياء وتعويض التنوين نحو هؤلاء جوار، ومررت بجوار وتقدير الفتحة في الياء كثير كقولهم :
٣٧٦٥- أَعْطِ القَوْسَ بَارِيْهَا... وقوله :
٣٧٦٦- كَأَنَّ أَيْدِيْهِنَّ بِالقَاعِ القَرِقْ... أَيْدِي جَوَارٍ يَتَعَاطَيْنَ الوَرِقْ
وقول الآخر :
٣٧٦٧- وَكَسَوْتُ عَارٍ لَحْمَه... ويدل على هذه قراءة بعضهم « صَوَافِيْ » بياء ساكنة من غير تنوين نحو رأيت القاضي يا فتى. بسكون الياء. ويجوز أن يكون سكن الياء في هذه القراءة للوقف ثم أجرى الوصل مجراه.
وقرأ العبادلة ومجاهد والأعمش « صَوَافِنَ » بالنون جمع صافنة، وهي التي تقوم على ثلاثة وطرف الرابعة أي : على طرف سنبكه، لأن البدنة تعلق إحدى يديها، فتقوم على ثلاثة إلا أن الصوافن إنما يستعمل في الخيل كقوله :« الصَّافِنَاتُ الجِيَاد » كما سيأتي، فيكون استعماله في الإبل استعارة.
فصل
سميت البدنة بدنة لعظمها يريد الإبل العظام الصحاح الأجسام، يقال : بَدَنَ الرجل بُدْناً وبَدَانَةً : إذا ضَخُم، فأما إذا أسن واسترخى يقال : بَدَّنَ تَبْدِيْناً.
﴿ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ الله ﴾ أي : من أعلام دينه، سميت شعائر، لأنها تشعر، وهو أن تطعن بحديدة في سنامها فيعلم أنها هَدْي. ﴿ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ﴾ النفع في الدنيا والأجر في العقبى. ﴿ فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا ﴾ عند نحرها « صَوَافَّ » أي قياماً على ثلاث قوائم قد صفت رجليها وإحدى يديها ويدها اليسرى معقولة فينحرها كذلك لما روى زياد بن جبير قال : رأيت ابن عمر أتى على رجل قد أناخ بدنة ينحرها فقال : ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد - ﷺ -. وقال مجاهد : الصواف إذا علقت رجلها اليسرى وقامت على ثلاث. قال المفسرون : قوله :﴿ فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا ﴾ فيه حذف أي اذكروا اسم الله على نحرها، وهو أن يقال عند النحر : باسم الله والله أكبر ولا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك وإليك. والحكمة في اصطفافها ظهور كثرتها للناظر فتقوى نفوس المحتاجين، ويكون التقرب بنحرها عند ذلك أعظم أجراً، وإعلاء اسم الله وشعائر دينه.
فصل
إذا قال : لله عليَّ بدنة، هل يجوز نحرها في غير مكة؟ قال أبو حنيفة ومحمد يجوز وقال أبو يوسف : لا يجوز إلا بمكة. واتفقوا في من نذر هدياً أن عليه ذبحه بمكة.