ومن قال : لله عليَّ جزور أنه يذبحه حيث شاء. وقال أبو حنيفة : البدنة بمنزلة الجزور، فوحب أن يجوز له نحرها حيث يشاء، بخلاف الهدي فإنه قال :﴿ هَدْياً بَالِغَ الكعبة ﴾ [ المائدة : ٩٥ ] فجعل بلوغ الكعبة من صفة الهدي. واحتج أبو يوسف بقوله :﴿ والبدن جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ الله ﴾ فكان اسم البدنة يفيد كونها قربة فكان كاسم الهدي.
وأجاب أبو حنيفة بأنه ليس كل ما كان ذبحه قربة اختص بالحرم، فإن الأضحية قربة وهي جائزة في سائر الأماكن.
قوله :﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ﴾ أي سقطت بعد النحر فوقعت جنوبها على الأرض. وأصل الوجوب السقوط، يقال : وجبت الشمس إذا سقطت للمغيب، ووجب الجدار : أي سقط، ومنه الواجب الشرعي كأنه وقع علينا ولزمنا. قال أوس بن حجر :

٣٧٦٨- أَلَمْ تُكْسَفِ الشَّمْسِ شَمْسُ النَّهَا ر والبَدْرُ لِلْجَبَلِ الوَاجِبِ
قوله :﴿ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ القانع والمعتر ﴾ أمر إباحة ﴿ وَأَطْعِمُواْ القانع والمعتر ﴾ اختلفوا في معناهما، فقال عكرمة وإبراهيم وقتادة : القانع الجالس في بيته المتعفف يقنع بما يعطى ولا يسأل. والمعتر الذي يسأل. قال الأزهري : قال ابن الأعرابي : يقال : عَرَوْتُ فلاناً وأعْتَرَيْتُه وعَرَرْتَه واعْتَرَرْته : إذا أتيته تطلب معروفه ونحوه.
قال أبو عبيدة : روى العوفي عن ابن عباس : القانع الذي لا يتعرض ولا يسأل، والمعتر الذي يريك نفسه ويتعرض ولا يسأل. فعلى هذين التأويلين يكون القانع من القناعة، يقال : قَنِعَ قَنَاعَةً : إذا رضي بما قسم له. وقال سعيد بن جبير والحسن والكلبي : القانع الذي يسأل، والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل. وقيل : القانع الراضي بالشيء اليسير من قَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعَةً فهو قانع. والقنع بغير ألف هو السائل. ذكره أبو البقاء. وقال الزمخشري القانع السائل من قَنَعْتُ وكَنَعْتُ إذا خضعت له وسألته قنوعاً، والمُعتَرّ : المتعرض بغير سؤال أو القانع الراضي بما عنده وبما يعطى من غير سؤال من قَنِعْتُ قَنَعاً وقَنَاعَةً، والمعتر المتعرض للسؤال. انتهى.
وفرق بعضهم بين المعنيين بالمصدر فقال :« قَنَعَ يَقْنَع قُنُوعاً » أي : سأل، وقناعةً أي : تعفف ببلغته واستغنى به، وأنشد للشماخ :
٣٧٦٩- لَمَالُ المَرْءِ يُصْلِحه فيُغْنِي مَفَاقِرهُ أَعَفُّ مِنَ القُنُوْعِ
وقال ابن قتيبة : المعتر المتعرض من غير سؤال، يقال : عَرّهُ واعْتَرّهُ وَعَرَاهُ واعْتَرَاهُ أي : أتاه طالباً معروفه، قال :
٣٧٧٠- لَعَمْرُكَ مَا المُعْتَرُّ يَغْشَى بِلاَدَنَا لِنَمْنَعَهِ بِالضَّائِعِ المُتَهَضِّمِ
وقول الآخر.
٣٧٧١- سَلِي الطَّارِقَ المُعْتَرَّ يا أُمَّ مَالِكٍ إِذَا ما اعْتَرَانِي بَيْنَ قِدْرِي وَمَجزَرِي
وقرأ أبو رجاء :« القَنِعَ » دون ألف، وفيها وجهان :
أحدهما : أن أصلها القانع فحذف الألف كما قالوا : مِقْوَل، ومِخْيَط وجَنَدِل وعُلَبِط في مِقْوَال، ومِخْيَاط، وجَنَادِل، وعُلاَبِط.
والثاني : أن القانع هو الراضي باليسير، والقَنِع السائل كما تقدم تقريره. قال الزمخشري : والقنع الراضي لا غير. وقرأ الحسن :« والمُعْتَرِي » اسم فاعل من اعْتَرَى يَعْتَرِي وقرأ إسماعيل ويروى عن أبي رجاء والحسن أيضاً « والمُعْتَرِ » بكسر الراء اجتزاء بالكسر عن لام الكلمة.


الصفحة التالية
Icon