وقرئ « المُعْتَرِي » بفتح التاء، قال أبو البقاء : وهو في معناه أي : في معنى « المُعْتَر » في قراءة العامة. قال بعضهم : والأقرب أن القانع هو الراضي بما يدفع إليه من غير سؤال وإلحاح، والمعتر : هو الذي يعترض ويطالب ويعتريهم حالاً بعد حال فيفعل ما يدل على أنه لا يقنع بما يدفع إليه أبداً.
وقال ابن زيد : القانع المسكين، والمعتر الذي ليس بمسكين، ولا يكون له ذبيحة، ويجيء إلى القوم فيتعرض لهم لأجل لحمهم.
قوله :« كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا ». الكاف نعت مصدر أو حال من ذلك المصدر، أي مثل وصفنا ما وصفنا من نحرها قياماً سخرناها لكم نعمة منا لتتمكنوا من نحرها. « لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون » لكي تشكروا إنعام الله عليكم.
قوله :﴿ لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا ﴾ العامة على القراءة بياء الغيبة في الفعلين، لأن التأنيث مجازي، وقد وجد الفصل بينهما. وقرأ يعقوب بالتاء فيهما اعتباراً باللفظ.
وقرأ زيد بن عليّ ﴿ لُحُومَهَا وَلاَ دِمَاءَها ﴾ بالنصب والجلالة بالرفع، « وَلكِنْ يُنَالُهُ » بضم الياء على أن القائم مقام الفاعل « التَّقْوَى ». و « مِنْكُم » حال من التقوى، ويجوز أن يتعلق بنفس « يناله ».

فصل


لما كانت عادة الجاهلية إذا نحروا البدن لطخوا الكعبة بدمائها قربة إلى الله عزَّ وجلَّ فأنزل الله هذه الآية ﴿ لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا ﴾. قال مقاتل : لن يرفع إلى الله لحومها ولا دماؤها. ﴿ ولكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ ﴾ أي ولكن يرفع إليه منكم الأعمال الصالحة، وهي التقوى والإخلاص وما أريد به وجه الله.

فصل


قالت المعتزلة : دلَّت هذه الآية على أمور :
أحدها : أن الذي ينتفع به فعله دون الجسم الذي ينحره.
وثانيها : أنه سبحانه غني عن كل ذلك وإنما المراد أن يجتهد العبد في امتثال أمره.
وثالثها : أنه لما لم ينتفع بالأجسام التي هي اللحوم والدماء وانتفع بتقواه، وجب أن يكون تقواه فعلاً له، وإلا كان تقواه بمنزلة اللحوم.
ورابعها : أنه لما شرط القبول بالتقوى، وصاحب الكبيرة غير مُتَّقٍ، فوجب أن لا يكون عمله مقبولاً وأنه لا ثواب له.
والجواب : أما الأولان فحقان، وأما الثالث فمعارض بالداعي والعلم.
وأما الرابع : فصاحب الكبيرة وإن لم يكن متقياً مطلقاً، ولكنه مُتَّقٍ فيما أتى به من الطاعة على سبيل الإخلاص، فوجب أن تكون طاعته مقبولة، وعند هذا تنقلب الآية حجة عليهم.
قوله :« كَذَلِكَ سَخَّرهَا » الكاف نعت مصدر أو حال من ذلك المصدر « وَلِتُكَبِّرُوا » متعلق به أي إنما سخرها كذلك لتكبروا الله، وهو التعظيم بما يفعله عند النحر وقبله وبعده. و ﴿ على مَا هَدَاكُمْ ﴾ متعلق بالتكبير، عُدِّي بعلى لتضمنه معنى الشكر على ما هداكم أرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه، وهو أن يقول : الله أكبر ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا وأولانا، ثم قال بعده على سبيل الوعد لمن امتثل أمره « وَبَشِّر المُحْسِنِيْن » كما قال من قبل « وَبَشِّر المُخْبِتِيْن » قال ابن عباس : المحسنين الموحدين. والمحسن الذي يفعل الحسن من الأعمال فيصير محسناً إلى نفسه بتوفير الثواب عليه.


الصفحة التالية
Icon