قوله تعالى :﴿ إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الذين آمنوا ﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمرو « يَدْفَعُ »، والباقون « يُدَافِع ». وفيه وجهان :
أحدهما : أن ( فَاعِل ) بمعنى ( فَعَل ) المجرد نحو جاوزته وجزته وسافرت وطارقت.
والثاني : أنه أُخرج على زنة المفاعلة مبالغة فيه لأن فعل المبالغة أبلغ من غيره.
وقال ابن عطية : يحسن « يُدَافِع » لأنه قد عن للمؤمنين من يدفعهم ويؤذيهم فتجيء مقاومته ودفعه عنهم مدافعة. يعني فتختلط فيها المفاعلة.

فصل


لما بيَّن الحج ومناسكه، وما فيه من منافع الدنيا والآخرة، وذكر قبل ذلك صد الكفار عن المسجد الحرام، أتبع ذلك ببيان ما يزيل الصد ويؤمن معه التمكن من الحج فقال :﴿ إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الذين آمنوا ﴾ قال مقاتل : إن الله يدفع كفار مكة عن الذين آمنوا بمكة، وهذا حين أمر المؤمنين بالكف عن كفار مكة قبل الهجرة حين آذوهم، فاستأذنوا النبي - ﷺ - في قتلهم سراً فنهاهم.
والمعنى : أن الله يدفع غائلة المشركين عن المؤمنين ويمنعهم من المؤمنين ولم يذكر ما يدفعه حتى يكون أفخم وأعظم وأعم، وإن كان في الحقيقة أنه يدافع بأس المشركين، فلذلك قال بعده ﴿ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ فنبه بذلك على أنه يدفع عن المؤمنين كيد من هذا صفته وهذه بشارة للمؤمنين بإعلائهم على الكفار، وهو كقوله ﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾ [ آل عمران : ١١١ ] وقوله ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ ﴾ [ غافر : ٥١ ] وقوله :﴿ إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون ﴾ [ الصافات : ٧٢ ].
﴿ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ ﴾ في أمانة الله « كَفُوْرٍ » لنعمته. قال ابن عباس : خافوا الله فجعلوا معه شركاء وكفروا نعمه. قال الزجاج : من تقرب إلى الأصنام بِذَبِيحَتِهِ وذكر عليها اسم غير الله فهو خوان كفور. قال مقاتل : أقروا بالصانع وعبدوا غيره فأي خيانة أعظم من هذه.
قوله :﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ ﴾. قرأ « أُذِنَ » مبنياً للمفعول نافع وأبو عمرو وعاصم، والباقون قرأوه مبنياً للفاعل. قال الفراء والزجاج : يعني أذن الله للذين يحرصون على قتال المشركين في المستقبل. وأما « يقاتلون » فقرأه مبنياً للمفعول نافع وابن عامر وحفص، والباقون مبنياً للفاعل. وحصل من مجموع الفعلين أن نافعاً وحفصاً بنياهما للمفعول. وأن ابن كثير وحمزة والكسائي بنوهما للفاعل، ( وأن أبا عمرو ) وأبا بكر بنيا الأول للمفعول والثاني للفاعل، وأن ابن عامر عكس هذا. فهذه أربع رتب والمأذون فيه محذوف للعلم به أي للذين يقاتلون في القتال. و « بأَنَّهُم ظُلِمُوا » متعلق ب « أُذِنَ »، والباء سببية، أي بسبب أنهم مظلومون.

فصل


قال المفسرون :« كان مشركو مكة يؤذون أصحاب رسول الله - ﷺ - فلا يزالون يجيئون بين مضروب ومشجوج يشكون ذلك إلى رسول الله - ﷺ - فيقول لهم :» اصْبِرُوا فَإِنِّي لَمْ أُوْمَرْ بِالقِتَال «


الصفحة التالية
Icon