وروي عن أبي عمرو « صَلَوَاتُ » كالعامة إلا أنه لم ينون، منعه الصرف للعلمية والعجمة، كأنه جعله اسم موضع فهذه أربع عشرة قراءة المشهور منها واحدة وهي هذه الصلوات المعهودة. ولا بد من حذف مضاف ليصح تسلط الهدم أي مواضع صلوات، أو تضمن « هُدِّمَتْ » معنى عطلت، فيكون قدراً مشتركاً بين المواضع والأفعال فإن تعطيل كل شيء بحسبه، وأخر المساجد لحدوثها في الوجود أو الانتقال إلى الأشرف. والصلوات في الأمم الملتين صلاة كل ملة بحسبها. وظاهر كلام الزمخشري أنها بنفسها اسم مكان فإنه قال : وسميت الكنيسة صلاة لأنها يصلى فيها، وقيل : هي كلمة معربة أصلها بالعبرانية صلوتا انتهى.
وأما غيرها من القراءات، فقيل : هي سريانية أو عبرانية دخلت في لسان العرب ولذلك كثر فيها اللغات والصوامع : جمع صومعة، وهي البناء المرتفع الحديد الأعلى من قولهم رجل أصمع، وهو الحديد القول، ووزنها فَوْعَلة كدَوْخَلة، وهي متعبد الرهبان لأنهم ينفردون. وقال قتادة : للصابئين. والبيع جمع بيعة وهي متعبد النصارى قاله قتادة والزجاج.
وقال أبو العالية هي كنائس اليهود. وقال الزجاج : الصوامع للنصارى، وهي التي بنوها في الصحارى، والبيع لهم أيضاً وهي التي بنوها في البلد، والصلوات لليهود.
وقال الزجاج : وهي بالعبرانية صَلُوْثا. والمساجد للمسلمين. وهذا هو الأشهر.
وقال أبو العالية : الصلوات للصابئين. وقال الحسن : إنها بأسرها أسماء المساجد، أما الصوامع فلأن المسلمين قد يتخذون الصوامع، وأما البيع فأطلق هذا الاسم على المساجد على سبيل التشبيه، وأما الصلوات فالمعنى أنه لولا ذلك الدفع لانقطعت الصلوات ولخربت المساجد.

فصل


معنى ﴿ وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾ أي بالجهاد وإقامة الحدود كأنه قال : ولولا دفع الله أهل الشرك بالمؤمنين من حيث يأذن لهم في جهادهم وينصرهم على أعدائهم لاستولى أهل الشرك على أهل الإيمان وعطلوا ما يبنونه من مواضع العبادة.
وقال الكلبي : يدفع بالنبيين عن المؤمنين وبالمجاهدين عن القاعدين عن الجهاد.
وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس : يدفع الله بالمحسن عن المسيء، وبالذي يصلي عن الذي لا يصلي، وبالذي يتصدق عن الذي لا يتصدق، وبالذي يحج عن الذي لا يحج.
وعن ابن عمر عن النبي - ﷺ - :« إِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِالمُسْلِمِ الصَّالِحِ عَنْ مِائَةٍ مِنْ أَهْلِ بيْتِهِ وَمِنْ جِيْرَانِهِ » ثم تلا هذه الآية. وقال الضحاك : يدفع بدين الإسلام وبأهله عن أهل الذمة. وقال مجاهد : يدفع عن الحقوق بالشهود، وعن النفوس بالقصاص. فإن قيل : لماذا جمع الله بين مواضع عبادات اليهود والنصارى وبين مواضع عبادة المسلمين؟ فالجواب أما على قول الحسن : فالمراد بهذه المواضع أجمع مواضع المؤمنين وإن اختلفت العبارات عنها. وأما على قول غيره فقال الزجاج : المعنى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدم في شرع كل نبي المكان الذي يتعبد فيه، فلولا الدفع لهدم في زمن موسى الكنائس التي كانوا يصلون فيها في شرعه، وفي زمن عيسى الصوامع والبيع وفي زمن نبينا المساجد.


الصفحة التالية
Icon