قال الزمخشري : كل مرتفع أظلك من سقف بيت أو خيمة أو ظلة فهو عرش، والخاوي : الساقط من خوى النجم : إذا سقط، أو من خوى المنزل : إذا خلا من أهله. فإذا فسرنا الخاوي بالساقط كان المعنى أنها ساقطة على سقوفها، أي : خرت سقوفها على الأرض، ثم تهدمت حيطانها، فسقطت فوق السقوف. وإن فسرناه بالخالي كان المعنى أنها خلت من الناس مع بقاء عروشها وسلامتها ويمكن أن يكون خبراً بعد خبر، أي : هي خالية وهي على عروشها، يعني أن السقوف سقطت على الأرض فصارت في قرار الحيطان، وبقيت الحيطان قائمة، فهي مشرفة على السقوف الساقطة. قوله :« وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ » عطف على « قَرْيَةٍ »، وكذلك « قَصْرٍ » أي : وكأيٍّ من بئر وقصر أهلكناهما. وقيل : يحتمل أن تكون معطوفة وما بعدها على « عُرُوشِها » أي : خاوية على بئر وقصر أيضاً، وليس بشيء. والبئر : من بأرت الأرض، أي : حفرتها ومنه التأبير، وهو شق كيزان الطلع، والبئر : فعل بمعنى مفعول كالذِّبح بمعنى المَذْبُوح، وهي مؤنثة وقد تذكر على معنى القليب. وقوله :
٣٧٧٢- وَبِئْرِي ذُو حَفَرْتُ وَذُو طَوَيْتُ... يحتمل التذكير والتأنيث. والمُعَطَّلَةُ : المهملة، والتعطيل : الإهمال.
وقرأ الحسن :« مُعْطَلَةٍ » بالتخفيف، يقال : أَعْطَلَتِ البئرُ وعَطَلْتُهَا فعَطَلَتْ بفتح الطاء، وأما عَطِلَتِ المرأة من الحُلِيّ فبكسر الطاء. والمعنى : وكم من بئر معطلة متروكة مخلاة عن أهلها. والمَشيدُ : المرتفع، قال قتادة والضحاك ومقاتل : رفيع طويل. وقال سعيد بن جُبير وعطاء ومجاهد : المُجصص من الشِّيد وهو الجص. وإنما بني هنا من شاده، وفي النساء من شَيَّدَهُ، لأنه هناك بعد جمع فناسب التكثير، وهنا بعد مفرد فناسب التخفيف، ولأنه رأس آية وفاصلة.
فصل
المعنى أنه تعالى بيَّن أن القرية مع تكليف بنيانهم لها واغتباطهم بها جعلت لأجل كفرهم بهذا الوصف وكذلك البئر التي تكلفوها وصارت شربهم صارت معطلةً بلا شارب، ولا وارد، والقصر الذي أحكموه بالجصِّ وطولوه صار خالياً بلا ساكن، وجعل ذلك عبرة لمن اعتبر، وهذا يدل على أن تفسير « على » ب « مع » أولى، لأن التقدير : وهي خاوية مع عروشها. قيل : إنَّ البئر المعطلة والقصر المشيد باليمن، أما القصر على قُلَّة جبل والبئر في سفحه، ولكل واحد منهما قوم في نعمة فكفروا فأهلكهم الله، وبقي البئر والقصر خاليين. وروى أبو روق عن الضحاك : أن هذه البئر بحضرموت في بلدة يقال لها حاضوراء وذلك أن صالحاً مع أربعة آلاف نفر ممن آمن به أتوا حضرموت، فلما نزلوها مات صالح فسميت بذلك لأن صالحاً حين حضرها مات، فبنوا قوم صالح حاضوراء، وقعدوا على هذه البئر، وأمروا عليهم جلهس بن جلاس، وجعلوا وزيره سنحاريب، فأقاموا بها زماناً ثم كفروا وعبدوا صنماً، فأرسل الله إليهم حنظلة بن صفوان، وكان حمّالاً فيهم، فقتلوه في السوق، فأهلكهم الله وعطّل بئرهم وخرب قصورهم.