قال الإمام أبو القاسم الأنصاري : وهذا عجيب، لأني زرت قبر صالح بالشام في بلدة يقال لها : عكا، فكيف يقال : إنه بحضرموت.
قوله تعالى :﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض ﴾ الآية. يعني كفار مكة أفلم يسيروا في الأرض فينظروا إلى مصارع المكذبين من الأمم الخالية، فذكر ما يتكامل به الاعتبار، لأن الرؤية لها حظّ عظيم في الاعتبار، وكذلك سماع الأخبار ولكن لا يكمل هذان الأمران إلا بتدبير القلب، لأن من عاين وسمع ولم يتدبر ولم يعتبر لم ينتفع، فلهذا قال :﴿ فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور ﴾.
قوله :« فَتَكُونَ » منصوب على جواب الاستفهام، وعبارة الحوفي على جواب التقرير. وقيل : على جواب النفي وقرأ مبشر بن عبيد :« فَيَكُونَ » بالياء من تحت لأن التأنيث مجازي. ومتعلق العقل محذوف أي : ما حل بالأمم السالفة. ثم قال :﴿ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ ﴾ أي : يعلمون بها، وهذا يدل على أن العقل العلم، وعلى أن محل العلم هو القلب، لأنه جعل القلب آلة لهذا العقل، فيكون القلب محلاً للعقل، ولهذا سمي الجهل بالعمى، لأن الجاهل لكونه متحيراً يشبه الأعمى. ثم قال :﴿ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ أي : ما يذكر لهم من أخبار القرون الماضية يعتبرون بها.
قوله :﴿ فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ﴾ الضمير للقصة، و ﴿ لاَ تَعْمَى الأبصار ﴾ مفسرة له، وحسن التأنيث في الضمير كونه وليه فعل بعلامة تأنيث، ولو ذكر في الكلام فقيل :« فإنه » لجاز، وهي قراءة مروية عن عبد الله بن مسعود، والتذكير باعتبار الأمر والشأن. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون ضميراً مبهماً يفسره « الأبصار » وفي « تعمى » ضمير راجع إليه.
قال أبو حيان : وما ذكره لا يجوز، لأن الذي يفسره ما بعده محصور وليس هذا واحداً منه وهو في باب ( رُبَّ )، وفي باب نعم وبئس، وفي باب الإعمال، ( وفي باب البدل )، وفي باب المبتدأ والخبر على خلاف في بعضها، وفي باب ضمير الشأن، والخمسة الأُول تفسر بمفرد إلا ضمير الشأن فإنه يفسر بجملة، وهذا ليس واحداً من الستة.
قال شهاب الدين : بل هذا من المواضع المذكورة، وهو باب المبتدأ غاية ما في ذلك أنه دخل عليه ناسخ وهو « إنَّ » فهو نظير قولهم : هي العرب تقول ما شاءت، و :
٣٧٧٣- هِيَ النَّفْسَ تَحْمِلُ مَا حُمِّلَت... وقوله تعالى :﴿ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا ﴾ [ الأنعام : ٢٩ ] وقد جعل الزمخشري جميع ذلك مما يفسر بما بعده، ولا فرق بين الآية الكريمة وبين هذه الأمثلة إلا دخول الناسخ، ولا أثر له، وعجيب من غفلة الشيخ عن ذلك.
قوله :﴿ التي فِي الصدور ﴾ صفة أو بدل أو بيان، وهل هو توكيد كقوله :« يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ » لأن القلوب لا تكون في غير الصدور، أو لها معنى زائد كما قال الزمخشري : الذي قد تعورف واعتقد أنَّ العمى في الحقيقة مكانه البصر، وهو أن تصاب الحدقة بما يطمس نورها، واستعماله في القلب استعارة وَمَثلٌ، فلما أريد إثبات ما هو خلاف المعتقد من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة ونفيه عن الأبصار، احتاج هذا التصوير إلى زيادة تعيين وفضل تعريف لتقرر أن مكان العمى هو القلوب لا الأبصار كما تقول : ليس المضاء للسيف ولكنه للسانك الذي بين فكيك.


الصفحة التالية
Icon