( فقولك : الذي بين فكيك ) تقرير لما ادعيته للسان وتثبيت لأن محل المضاء هو هو لا غير، وكأنك قلت : ما نفيت المضاء عن السيف وأثبته للسانك فلتة مني ولا سهواً، ولكن تعمدت به إياه بعينه تعمداً. وقد رد أبو حيان على الزمخشري قوله : تعمدت به إياه، وجعل هذه العبارة عجمة من حيث إنه فصل الضمير، وليس من مواضع فصله، وكان صوابه أن يقول تعمدته به. كما تقول : السيف ضربتك به، لا ضربت به إياك.
وقد تقدم نظير هذا الرد والجواب عنه بما أجيب عن قوله تعالى :﴿ يُخْرِجُونَ الرسول وَإِيَّاكُمْ ﴾ [ الممتحنة : ١ ] ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ ﴾ [ النساء : ١٣١ ] وهو أنه مع قصد تقديم غير الضمير عليه لغرض يمنع اتصاله. قال شهاب الدين : وأي خطأ في مثل هذا حتى يدعي العجمة على فصيح شهد له بذلك أعداؤه وإن كان مخطئاً في بعض الاعتقادات مما لا تعلق له بما نحن بصدده.
وقال ابن الخطيب : وعندي فيه وجه آخر، وهو أن القلب قد يجعل كناية عن الخاطر والتدبر كقوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾ [ ق : ٣٧ ]، وعند قوم أن محل الفكر هو الدماغ، فالله تعالى بين أن محل ذلك هو الصدر. وفي محل العقل خلاف مشهور، وإلى الأول مال ابن عطية قال : هو مبالغة كما تقول : نظرت إليه بعيني، وكقوله :﴿ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم ﴾ [ آل عمران : ١٦٧ ]. وقد تقدم أن في قوله :« بِأَفْوَاهِهِمْ » فائدة زيادة على التأكيد.