قوله تعالى :﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ ﴾ الآية. نزلت في النضر بن الحارث حيث قال :« إنْ كَان هَذَا هُوَ الحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاء ».
وهذا يدل على أنه - عليه السلام - كان يخوفهم بالعذاب إن استمروا على كفرهم، ولهذا قال :﴿ وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ ﴾، فأنجز ذلك يوم بدر. ثم بين أن العاقل لا ينبغي له أن يستعجل عذاب الآخرة فقال :﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ ﴾ أي فيما ينالهم من العذاب وشدته ﴿ كَأَلْفِ سَنَةٍ ﴾، فبين تعالى أنهم لو عرفوا حال عذاب الآخرة وأنه بهذا الوصف لما استعجلوه. قاله أبو مسلم وقيل : المراد طول أيام الآخرة في المحاسبة. وقيل : إن اليوم الواحد وألف سنة بالنسبة إليه على السواء، لأنه القادر الذي لا يعجزه شيء، فإذا لم يستبعدوا إمهال يوم فلا يستبعدوا إمهال ألف سنة « مِمَّا تَعُدُّون » قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي « يَعُدُّون » بياء الغيبة، لقوله :﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ ﴾ وقرأ الباقون بالتاء، لأنه أعمّ، ولأنه خطاب للمسلمين. واتفقوا في « تنزيل » السجدة بالتاء. قال ابن عباس : يعني يوماً من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض وقال مجاهد وعكرمة : يوماً من أيام الآخرة، لما روى أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله - ﷺ - :« أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ صَعَالِيكِ المُهاجِرِينَ بالفَوْزِ التَّام يَوْمَ القِيَامَة تَدْخلونَ الجَنَّة قَبْلَ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ بِنِصْفِ يَوْم، وذَلِكَ قَدر خَمْسمائةِ سَنَة ».
قوله :﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾ أي : أمهلتها مع استمرارهم على ظلمهم، فاغتروا بذلك التأخير، « ثُمَّ أَخَذْتُهُم » بأن أنزلت العذاب بهم ومع ذلك فعذابهم مدخر، وهو معنى قوله « وَإليَّ المَصِير ». فإن قيل : ما الفائدة في قوله أولاً « فكأين » بالفاء، وهاهنا قال « وكأين » بالواو؟
فالجواب : أن الأولى وقعت بدلاً من قوله ﴿ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ [ الحج : ٤٤ ]، وأما هذه فحكمها ما تقدمها من الجملتين المعطوفتين بالواو، أعني قوله :﴿ وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ ﴾.
قوله :﴿ قُلْ ياأيها الناس إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ أمر رسوله بأن يديم لهم التخويف والإنذار، وأن لا يصده استعجالهم للعذاب على سبيل الهزء عن إدامة التخويف والإنذار، وأن يقول لهم : إنما بعثت للإنذار فاستهزاؤكم بذلك لا يمنعني منه.
قوله :﴿ فالذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾. لما أمر الرسول بأن يقول لهم : إني نذير مبين أردف ذلك بأن أمره بوعدهم ووعيدهم، لأن هذه صفة المنذر، فقال :﴿ فالذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ فجمع بين الوصفين، وهذا يدل على أن العمل خارج عن مسمى الإيمان، وبه يبطل قول المعتزلة ويدخل في الإيمان كل ما يجب من الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان، ويدخل في العمل الصالح كل واجب وترك المحظور، ثم بين تعالى أن من جمع بينهما فالله تعالى يجمع له بين المغفرة والرزق الكريم، فالمغفرة عبارة عن غفران الصغائر، أو عن غفران الكبائر بعد التوبة، أو عن غفرانها قبل التوبة، والأولان واجبان عند الخصم، وأداء الواجب لا يسمى غفراناً فبقي الثالث وهو العفو عن أصحاب الكبائر من أهل القبلة.