وأما الرزق الكريم فهو إشارة إلى الثواب، والكريم : هو الذي لا ينقطع أبداً وقيل : هو الجنة.
قوله :﴿ والذين سَعَوْاْ في آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ﴾ أي : اجتهدوا في ردها والتكذيب بها وسموها سحراً وشعراً وأساطير الأولين، يقال لمن بذل جهده في أمر : إنه سعى فيه توسعاً، كما إذا بلغ الماشي نهاية طاقته فيقال : إنه سعى، وذكر الآيات وأراد التكذيب بها مجازاً، قال الزمخشري : يقال : سعيت في أمر فلان إذا أصلحه أو أفسده بسعيه.
قوله :« مُعَجِّزِينَ » قرأ أبو عمرو وابن كثير بتشديد الجيم هنا وفي حرفي سبأ.
والباقون :« مُعَاجِزِين » في الأماكن الثلاثة. والجحدري كقراءة ابن كثير وأبي عمرو في جميع القرآن. وابن الزبير « مُعْجِزِين » بسكون العين فأما الأولى ففيها وجهان :
أحدهما : قال الفارسي : معناه ناسبين أصحاب النبي - ﷺ - إلى العجز نحو : فسقته، أي : نسبته إلى الفسق.
والثاني : أنها للتكثير ومعناها مثبطين الناس عن الإيمان.
وأما الثانية فمعناها ظانين أنهم يعجزوننا، وقيل : معاندين.
وقال الزمخشري : عاجَزَه : سَابَقَه، لأن كل واحد منهما في طلب إعجاز الآخر عن اللحاق به، فإذا سبقه قيل : أَعْجَزَه وعَجَّزَه. فالمعنى : سَابِقِين أو مُسَابقين في زعمهم وتقديرهم طامعين أن كيدهم للإسلام يتم لهم والمعنى : سعوا في معناها بالفساد. وقال أبو البقاء : إن « مُعَاجِزِين » في معنى المُشَدَّد مثل : عَاهَد : عَهَّد، وقيل : عاجَزَ سَابَق، وعَجَّز : سَبَق.

فصل


اختلفوا في المراد هل معاجزين لله أو الرسول والمؤمنين، والأقرب هو الثاني لأنهم إن أنكروا الله استحال منهم أن يطمعوا في إعجازه، وإن أثبتوه فيبعد أن يعتقدوا أنهم يُعْجِزُونه ويغلبونه، ويصح منهم أن يظنوا ذلك في الرسول بالحيل والمكايد.
فأما القائلون بالأول فقال قتادة : ظانين ومقدرين أنهم يعجزوننا بزعمهم وأن لا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار، أو يعجزوننا : يفوتوننا فلا نقدر عليهم كقوله تعالى ﴿ أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا ﴾ [ العنكبوت : ٤ ]، أو يعجزون الله بإدخال الشُّبَهِ في قلوب الناس.
وأما معاجزين فالمغالبة في الحقيقة ترجع إلى الرسول والأمة لا إلى الله تعالى.
ثم قال :﴿ أولئك أَصْحَابُ الجحيم ﴾ أي : أنهم يدومون فيها.


الصفحة التالية
Icon