قال سيبويه : وسألته - يعني الخليل - عن ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً ﴾ فقال : هذا واجب وتنبيه، كأنك قلت : أتسمع أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا.
قال ابن خروف : وقوله : هذا واجب. وقوله : فكان كذا. يريد أنهما ماضيان وفسر الكلام ب « أتسمع ». ( ليريك أنه لا يتصل بالاستفهام ) لضعف حكم الاستفهام فيه.
وقال بعض شراح الكتاب :« فتُصْبِحُ » لا يمكن نصبه، لأن الكلام واجب، ألا ترى أن المعنى أن الله أنزل فالأرض هذه حالها. وقال الفراء :« ألَمْ تَر » خبر، كما تقول في الكلام : اعلم أن الله يفعل كذا فيكون كذا. ويقول : إنما امتنع النصب جواباً للاستفهام هنا، لأن النفي إذا دخل عليه الاستفهام، وإن كان يقتضي تقريراً في بعض الكلام، هو معامل معاملة النفي المحض في الجواب، ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ] وكذلك الجواب بالفاء إذا أجبت النفي كان على معنيين في كل منهما ينتفي الجواب. فإذا قلت : ما تأتينا فتحدثنا. بالنصب، فالمعنى ما تأتينا محدثاً، وإنما تأتينا ولا تُحَدَِّث، ويجوز أن يكون المعنى أنك لا تأتي فكيف تحدث، فالحديث منتف في الحالتين، والتقرير بأداة الاستفهام كالنفي المحض في الجواب يثبت ما دخلته الهمزة وينفي الجواب، فيلزم من هذا التقدير إثبات الرؤية وانتفاء الاخضرار، وهو خلاف المقصود.
وأيضاً فإن جواب الاستفهام ينعقد منه مع الاستفهام السابق شرط وجزاء كقوله :
٣٧٧٥- أَلَمْ تَسْأَلْ فَتُخْبِركَ الرُّسُومُ... يتقدر : إن تسأل تخبرك الرسوم، وهنا لا يتقدر : إن تر إنزال المطر تصبح الأرض مخضرة، لأن اخضرارِها ليس مترتباً على علمك أو رؤيتك إنما هو مترتب على الإنزال.
وإنما عبر بالمضارع، لأن فيه تصوير الهيئة التي الأرض عليها والحالة التي لابست الأرض، والماضي يفيد انقطاع الشيء، وهذا كقول جحدر بن معاوية يصف حاله مع أسد نازله في قصة جرت له مع الحجاج بن يوسف الثقفي، وهي أبيات فمنها :

٣٧٧٦- يَسْمُو بِنَاظِرَتَيْنِ تَحْسَبُ فِيْهمَا لَما أَجَالَهُمَا شُعَاعَ سِرَاجِ
لَما نَزَلْتَ بِحصْنٍ أَزْبَرَ مِهْصَرٍ لِلْقِرْنِ أَرْوَاح العِدَا مَحَّاجِ
فَأَكِرُّ أَحْمِلُ وَهو يُقْعِي باسْتِه فَإِذَا يَعُوْدُ فَرَاجِعٌ أَدْرَاجِ
وَعَلِمْتُ أَنِّي إِنْ أَبَيْتُ نِزَالَهُ أَنِّيْ مِنَ الحَجَّاجِ لَسْتُ بَنَاجِ
فقوله : فأَكِرُّ تصوير للحالة التي لابسها. قال شهاب الدين : أما قوله : وأيضاً فإن جواب الاستفهام ينعقد مع الاستفهام. إلى قوله : إنما هو مترتب على الإنزال. منتزع من كلام أبي البقاء. قال أبو البقاء : إنما رفع الفعل هنا وإن كان قبله استفهام لأمرين :
أحدهما : أنه استفهام بمعنى الخبر، أي قدر رأيت فلا يكون له جواب.
والثاني : أن ما بعد الفاء ينصب إذا كان المستفهم عنه سبباً له، ورؤيته لإنزال الماء لا يوجب اخضرار الأرض، وإنما يجب على الماء.


الصفحة التالية
Icon