وأما قوله : وإنما عبر بالمضارع. فهو معنى كلام الزمخشري بعينه، وإنما غير عبارته وأوسعها.
وقوله :« فَتُصْبح » استدل به بعضهم على أن الفاء لا تقتضي التعقيب، قال : لأن اخضرارها متراخ عن إنزال الماء، هذا بالمشاهدة.
وأجيب عن ذلك بما نقله عكرمة من أن أرض مكة وتهامة على ما ذكروا أنها تمطر الليلة فتصبح الأرض غدوة خضرة، فالفاء على بابها. قال ابن عطية : شاهدت هذا في السوس الأقصى نزل المطر ليلاً بعد قحط فأصبحت تلك الأرض الرملة التي نسفتها الرياح قد اخضرت بنبات ضعيف. وقيل : تراها كل شيء بحسبه، وقيل : ثم جُمَلٌ محذوفة قبل الفاء تقديره : فتهتز وتربو وتنبت، بيّن ذلك قوله تعالى :﴿ فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ ﴾ [ الحج : ٥ ] وهذا من الحذف الذي يدل عليه فحوى الكلام كقوله تعالى :﴿ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق أَفْتِنَا ﴾ [ يوسف : ٤٥ - ٤٦ ] إلى آخر القصة. و « تُصْبِحُ » يجوز أن تكون الناقصة وأن تكون التامة « مُخَضَرَّة » حال قاله أبو البقاء. وفيه بعد عن المعنى إذ يصير التقدير فتدخل الأرض في وقت الصباح على هذه الحال. ويجوز فيها أيضاً أن تكون على بابها من الدلالة على اقتران مضمون الجملة بهذا الزمن الخاص، وإنما خص هذا الوقت لأن الخضرة والبساتين أبهج ما ترى فيه ويجوز أن تكون بمعنى تصير. وقرأ العامة « مُخضَرَّة » بضم الميم وتشديد الراء اسم فاعل من اخْضَرَّت فهي مُخْضَرَّة، والأصل مُخْضَررَة بكسر الراء الأولى فأدغمت في مثلها. وقرأ بعضهم « مَخْضَرَة » بفتح الميم وتخفيف الراء بزنة مَبْقَلة ومَسْبعة.
والمعنى : ذات خضروات وذات سِبَاع وذات بَقْل.
ثم قال :﴿ إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ أي : أنه رحيم بعباده ولرحمته فعل ذلك حتى عظم انتفاعهم به، لأن الأرض إذا أصبحت مخضرة، والسماء إذا أمطرت كان ذلك سبباً لعيش الحيوان أجمع. ومعنى « خَبِير » أي؛ عالم بمقادير مصالحهم فيفعل على قدر ذلك من غير زيادة ولا نقصان. وقال ابن عباس :« لطيفٌ » بأرزاق عباده « خبير » بما في قلوبهم من القنوط. وقال الكلبي :« لطيف » في أفعاله « خبير » بأعمال خلقه.
وقال مقاتل :« لطيف » باستخراج النبت « خبير » بكيفية خلقه.
﴿ لَّهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ﴾ عبيداً وملكاً، وهو غني عن كل شيء لأنه كامل لذاته، ولكنه لما خلق الحيوان فلا بد في الحكمة من مطر ونبات فخلق هذه الأشياء رحمة للحيوانات وإنعاماً عليهم لا لحاجة به إلى ذلك، وإذا كان كذلك كان إنعامه خالياً عن غرض عائد إليه، فكان مستحقاً للحمد، فكأنه قال : إنه لكونه غنياً لم يفعل ما فعله إلا للإحسان، ومن كان كذلك كان مستحقاً للحمد فوجب أن يكون حميداً، فلهذا قال :﴿ وَإِنَّ الله لَهُوَ الغني الحميد ﴾.