قوله « وحَنَاناً » : يجوز أن يكون مفعولاً به، نسقاً على « الحُكْمَ » أي : وآتَيْنَاهُ تَحَنُّناً. والحنانُ : الرحمةُ واللّينُ، وأنشد أبو عبيدة قول الحطيئةِ لعمر بن الخطَّاب :[ المتقارب ]
٣٥٨٣ أ- تَحَنَّنْ عَليَّ هدَاكَ المَلِيكُ | فإنَّ لِكُلِّ مقامٍ مقَالا |
٣٥٨٣ ب-......................... | حَنانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِّ أهْوَنُ من بعضِ |
٣٥٨٤- وقَالَتْ حنانٌ مَا أتى بِكَ هَهُنَا | اذُو نسبٍ أمْ أنْتَ بالحَيِّ عارفُ |
فصل في المراد ب « حَنَاناً »
اعلم أن الحنان : أصله من الحنينن، وهو الارتياحُ، والجزع للفراق كما يقال : حنينُ النَّاقة، وهو صوتها، إذا اشتاقت إلى ولدها، ذكره الخليل.
وفي الحديث : أنَّه -E- كان يُصلِّي إلى جذع في المسجد، فلمَّا اتَّخذ المنبر، وتحوَّل إليه، حنَّت تلك الخشبةُ، حتَّى سُمِعَ حنينُها، وهذا هو الأصل، ثُمَّ يقال : تَحَنَّنَ فلانٌ على فلانٍ، إذا [ تعطَّف ] عليه ورحمهُ.
واختلف الناس في وصف الله تعالى بالحنان، فأجازه بعضهم، وجعلهُ بمعنى الرَّؤُوف الرَّحيم، ومنهم من أباه؛ لما يرجع إليه أصلُ الكلمة.
قالوا : ولم يصحُّ الخبر بهذه اللفظة في أسماء الله تعالى.
وإذا عرف هذا، فنقولُ : في الحنانِ ها هنا وجهانِ :
الأول : أن نجعله صفةً لله تعالى.
والثاني : أن نجعله صفةُ ل « يحيى »، فإن جعلناه صفة لله تعالى، فيكونُ التقديرُ : وآتيناهُ الحكم حناناً، أي : رحمةً منَّا.
ثم هاهنا احتمالات :
الأول : أن يكون الحنانُ من الله تعالى ل « يحيى »، والمعنى : وآتيناه الحكم صبيًّا حناناً [ منَّا ] عليه، أي : رحمة عليه، « وزكَاةً » أي : وتزكيةً، وتشريفاً له.
والثاني : أن يكون الحنانُ من الله تعالى لزكريَّا، والمعنى : أنا استجبنا لزكريَّا دعوته بأن أعطيناه ولداً ثم آتيناه الحكم صبيًّا وحناناً من لدُنَّا على زكريا فعلنا ذلك « وزَكَاةً » أي : تزكيةُ له عن أن يصير مردود الدُّعاء.
الثالث : أن يكُون الحنانُ من الله تعالى لأمَّة يحيى -عليه السلام- والمعنى : آتيناه الحكم صبيًّا حناناً على أمَّته؛ لعظيم انتفاعهم بهدايته وإرشاده.
وإن جعلناه صفةً ليحيى -عليه السلام- ففيه وجوهٌ :
الأول : آتيناهُ الحكم والحنان على عبادنا، أي والتعطُّف عليهم وحسن النَّظر لهم، كما وصف محمَّداً - ﷺ - بقوله :