الرابع : قوله :﴿ وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ يجوز أن يكون « حَقَّ جِهَادِهِ » منصوباً على المصدر، وهو واضح. وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوف، أي جهاداً حق جهاده. وفيه نظر من حيث إن هذا معرفة فكيف يجعل صفة لنكرة.
قال الزمخشري : فإن قلت : ما وجه هذه الإضافة، وكان القياس : حقّ الجهاد فيه أو حق جهادكم فيه كما قال ﴿ وَجَاهِدُوا فِي الله ﴾. قلت : الإضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص فلما كان الجهاد مختصاً بالله من حيث إنه مفعول من أجله ولوجهه صحت إضافته إليه، ويجوز أن يتسع في الظرف كقوله :
٣٧٧٩- وَيَوْمٍ شَهِدْنَاهُ سُلَيْماً وَعَامِرا... يعني بالظرف الجار والمجرور كأنه كان الأصل : حق جهاد فيه. فحذف حرف الجر وأضيف المصدر للضمير، وهو من باب هو حقّ عالم وجد، أي : عالم حقاً وعالم جداً.
فصل
المعنى : جاهدوا في سبيل الله « أعداء اللَّه حَقَّ جِهَادِهِ » هو استفراغ الطاقة فيه. قاله ابن عباس، وعنه قال : لا تخافون لومة لائم. وقال الضحاك ومقاتل : اعملوا لله حق عمله واعبدوه حق عبادته. وقال مقاتل بن سليمان : نسخها قوله :﴿ فاتقوا الله مَا استطعتم ﴾ [ التغابن : ١٦ ] وهذا بعيد لأن التكليف شرطه القدرة لقوله تعالى :﴿ لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ] ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ ﴾ [ البقرة : ٧٨ ] و ﴿ يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر ﴾ [ البقرة : ١٨٥ ]. فكيف يقول :﴿ وَجَاهِدُوا فِي الله ﴾ على وجه لا يقدرون عليه؟ وقال أكثر المفسرين : حق الجهاد أن يكون بنية صادقة. وقيل : يفعله عبادة لا رغبة في الدنيا من حيث الاسم والغنيمة. وقيل : يجاهدوا آخراً كما جاهدوا أولاً، فقد كان جهادهم في الأول أقوى، وكانوا فيه أثبت نحو صنعهم يوم بدر، روي عن عمر أنه قال لعبد الرحمن بن عوف : أما علمت أنا كنا نقرأ « وَجَاهِدُوا في اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله » ؟ قال عبد الرحمن : ومتى ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال : إذا كانت بنو أمية الأمراء، وبنو المغيرة الوزراء. واعلم أنه يبعد أن تكون هذه الزيادة من القرآن، وإلا لنقل كنقل نظائره، ولعله إن صح ذلك عن الرسول فإنما قاله كالتفسير للآية.
وروي عن ابن عباس أنه قرأ :« وَجَاهِدُوا في اللَّهِ حَقَّ جَهَادِهِ كما جاهدتم أول مرة » فقال عمر - رضي الله عنه - : من الذي أمرنا بجهاده؟ فقال : قبيلتان من قريش مخزوم وعبد شمس، فقال : صدقت. وقيل : معنى الآية : استفرغوا وسعكم في إحياء دين الله، وإقامة حقوقه بالحرب واليد واللسان، وجميع ما يمكن، وردوا أنفسكم عن الهوى والميل وقال ابن المبارك : هو مجاهدة النفس والهوى، وهو الجهاد الأكبر [ وهو حق الجهاد وقد روي أن رسول الله - ﷺ - لما رجع من غزوة تبوك قال :