الجبَّار المتكبِّر.
وقال سفيان : الجبَّار الذي يضرب ويقتل على الغضب؛ لقوله تعالى :﴿ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بالأمس إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأرض ﴾ [ القصص : ١٩ ] ؛ ولقوله تعالى :﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾ [ الشعراء : ١٣٠ ] والجبَّارُ أيضاً : القهار، قال تعالى ﴿ العزيز الجبار ﴾ [ الحشر : ٢٣ ].
والعَصِيُّ : العاصِي، والمراد : وصفة بالتواضع، ولين الجانب، وذلك من صفات المؤمنين؛ كقوله تعالى :﴿ واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ الحجر : ٨٨ ] وقوله تعالى :﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [ آل عمران : ١٥٩ ].
وقيل : الجبَّار : هو الذي لا يرى لأحدٍ على نفسه حقًّا. وقيل غير [ ذلك ] وقوله :« عصيا » وهو أبلغُ من العاصي، كما أن العليمَ أبلغُ من العالم.
قوله :﴿ وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً ﴾.
قال محمد بن جرير الطبريُّ ﴿ وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ ﴾ أي : أمانٌ من الله يوم ولد من أن تتناوله الشياطين، كما تناولُ سائر بني آدم ﴿ وَيَوْمَ يَمُوتُ ﴾ أي : وأمانٌ عليه من عذاب القبر، ﴿ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً ﴾ ي : ومن عذاب يوم القيامة.
وقال سفيان بن عيينة : أوحشُ ما يكونُ الإنسان في هذه الأحوال [ الثلاثة يوم يُولَدُ ]، فيرى نفسه خارجاً [ مما كان فيه، ويوم يموتُ، فيرى يوماً، لم يكن عاينهُ، ويوم يبعثُ، فيرى نفسهُ ] في محشرٍ عظيمٍ، لم ير مثله، فأكرم الله يحيى -عليه السلام- فخصَّه بالسلامة في هذه المواطن الثلاثة.
قال عبدُ الله بن نفطويه :﴿ وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ ﴾ أي : أوَّل ما رأى الدُّنيا، ﴿ وَيَوْمَ يَمُوتُ ﴾ أي : أول يوم يرى فيه أمْرً الآخرة ﴿ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً ﴾ أوَّل يومٍ يرى فيه الجنَّة والنَّار.
فصل في مزية السلام على يحيى
السلام يمكن أن يكون من الله، وأن يكون من الملائكة، وعلى التقديرين، فيدلُّ على شرفه وفضله؛ لأنَّ الملائكة لا يسَلَِّمون إلا عن أمر الله.
ويدلُّ على أن ليحيى مزية في هذا السلام على ما لسائر الأنبياء؛ كقوله تعالى :﴿ سَلاَمٌ على نُوحٍ ﴾ [ الصافات : ٧٩ ] ﴿ سَلاَمٌ على إِبْرَاهِيمَ ﴾ [ الصافات : ١٠٩ ]. وقال ليحيى :﴿ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً ﴾. وليس لسائر الأنبياء.
ورُوِي أن عيسى -عليه السلام- قال ليحيى -عليه السلام- : أنت أفضلُ منِّي؛ لأنَّ الله تعالى قال : سلامٌ عليك وأنا سلَّمتُ على عيسى؛ لأن عيسى معصومٌ، لا يفعل إلا ما أمره الله به.
واعلم : أنَّ السَّلام عليه يوم ولد يكون تفضُّلاً من الله تعالى؛ لأنه لم يتقدَّمه عملٌ يكونُ ذلك السلام جزاءً له، وأمَّا السَّلام عليه يوم يموتُ، ويوم يبعثُ حيَّاً، عملٌ يكونُ ذلك السلام جزاءً له، وأمَّا السَّلام عليه يوم يموتُ، ويوم يبعثُ حيًّا فيجوزُ أن يكُون ثواباً؛ كالمَدْح والتَّعْظِيم.
فصل في فوائد هذه القصة
في فوائد هذه القصَّة [ أمورٌ ] منها :
تعليمُ آداب الدعاء، وهو قوله :« نِدَاءً خفيًّا » يدلُّ على أفضل الدعاء خفيةً ويؤكِّدهُ قوله تعالى :