فالجمع على الأصل، لأنه مطابق لما يراد به، والإفراد للجنس كقوله :« وَالمَلَكُ صَفًّا »، وكقوله :﴿ وَهَنَ العظم مِنِّي ﴾ [ مريم : ٤ ].
وقال الزمخشري : وضع الواحد موضع الجمع لزوال اللبس، لأنَّ الإنسان ذو عظام كثيرة. قال أبو حيان : وهذا عند سيبويه وأصحابه لا يجوز إلا ( لضرورة ) وأنشدوا :
٣٧٨٤- كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُم تَعِفُّوا... وإن كان معلوماً أن كل واحد له بطن. قال شهاب الدين : ومثله :
٣٧٨٥- لا تُنْكِرُوا القَتْلَ وقَدْ سَبَيْنَا | فِي حَلْقِكُمْ عَظْمٌ وَقَدْ شَجَيْنَا |
٣٧٨٦- بِهَا جِيَفُ الحسْرَى فأَمَّا عِظَامُهَا | فَبِيضٌ وأَمّا جِلْدُهَا فَصَلِيبُ |
قوله :﴿ فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً ﴾ أي : ألبسنا، لأنّ اللحم يستر العظم فجعله كالكسوة ( لها ) قيل : بين كل خلقين أربعون يوماً. ﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ﴾ أي : خلقاً مبايناً للخلق الأول مباينة ما أبعدها حيث جعله حيواناً، وكان جماداً، وناطقاً وكان أبكم وسميعاً وكان أصم وبصيراً وكان أكمه، وأودع باطنه وظاهره بل كل جزء من أجزائه عجائب فطرة، وغرائب حكمة لا يحيط بها وصف الواصفين. قال ابن عباس ومجاهد والشعبي وعكرمة والضحاك وأبو العالية : المراد بالخلق الآخر هو نفخ الروح فيه. وقال قتادة : نبات الأسنان والشعر، وروى ابن جريج عن مجاهد : أنه استواء الشباب. وعن الحسن قال : ذكر أو أنثى.
وروى العوفي عن ابن عباس : أنّ ذلك تصريف أحواله بعد الولادة من الاستهلال إلى الارتفاع إلى القعود إلى القيام إلى المشي إلى أن يأكل ويشرب إلى أن يبلغ الحلم، وخلق الفهم والعقل ويتقلب في البلاد إلى ما بعدها إلى أنْ يموت.
قالوا : وفي هذه الآية دلالة على بطلان قول النظام أن الإنسان هو الروح لا البدن، فإنه سبحانه بَيَّن أنَّ الإنسان هو المركب من هذه الأشياء. وفيها دلالة أيضاً على بطلان قول الفلاسفة الذين يقولون : الإنسان شيء لا ينقسم وإنه ليس بجسم.
وقال :« فَتَبَارَك اللَّهُ » أي : فتعالى الله، لأنَّ البركة يرجع معناها إلى الامتداد والزيادة وكل ما زاد على الشيء فقد علاه. ويجوز أن يكون المعنى البركات والخيرات كلها من الله.
وقيل : أصله من البروك وهو الثبات، فكأنه قال : البقاء والدوام والبركات كلها منه، فهو المستحق للتعظيم والثناء بأنه لم يزل ولا يزال « أَحسَنُ الخَالِقِينَ » المصورين والمقدرين. والخلق في اللغة : التقدير، قال زهير :
٣٧٨٧- ولأَنْتَ تَفْري مَا خَلقْتَ وَبَعْ | ضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لاَ يَفْرِي |
أحدها : أنه بدل من الجلالة.
الثاني : أنه نعت للجلالة، وهو أولى مما قبله، لأنّ البدل بالمشتق يقل.