وكسر السين من ( سَيْنَاء ) لغة كنانة وأمَّا القراءة الثانية : فألفها للتأنيث، فمنع الصرف واضح. قال أبو البقاء : وهمزته للتأنيث، إذ ليس في الكلام ( فَعْلاَل ) بالفتح، وما حكى الفراء من قولهم ناقة فيها خَزْعَالٌ لا يثبت، وإن ثبت فهو شاذ لا يحمل عليه. وقد وهم بعضهم فجعل ( سَيْنَاء ) مشتقة من ( السنا ) وهو الضوْء، ولا يصح ذلك لوجهين :
أحدهما : أنه ليس عربيّ الوضع نصوا على ذلك كما تقدم.
الثاني : أَنّا وإنْ سلمنا أنه عربي الوضع لكن المادتان مختلفتان فإن عين ( السنَا ) نون وعين ( سَيْناء ) ياء. كذا قال بعضهم. وفيه نظر؛ إذْ لقائل أن يقول : لا نُسلّم أن عين ( سيناء ) ( ياء ) بل عينها ( نون )، وياؤها مزيدة، وهمزتها منقلبة عن واو، كما قلبت ( السنا )، ووزنها حينئذ ( فِيعَال ) و ( فِيعَال ) موجود في كلامهم، كِميلاَع وقيتَال مصدر قاتل.
قوله :« تَنْبُتُ » قرأ ابن كثير وأبو عمرو « تُنْبِت » بضم التاء وكسر الباء والباقون بفتح التاء وضم الباء. فأمّا الأولى ففيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أن أنبت بمعنى ( نَبَت ) فهو مما اتفق فيه ( فَعَل ) و ( أَفْعَل ) وأنشدوا لزهير :
٣٧٨٨- رَأَيْتُ ذَوِي الحَاجَاتِ عِنْدَ بُيُوتِهِم | قَطِيناً بِهَا حَتَّى إِذَا أَنْبَتَ البَقْلُ |
الثاني : أنّ الهمزة للتعدية، والمفعول محذوف لفهم المعنى أي : تنبت ثمرها، أو جناها، و « بالدُّهْنِ » حال، أي : ملتبساً بالدهن.
الثالث : أن الباء مزيدة في المفعول به كهي في قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٩٥ ]، وقول الآخر :
٣٧٨٩- سُودُ المَحَاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ... وقول الآخر :
٣٧٩٠- نَضْرِبُ بالسَّيْفِ ونَرْجُوا بِالفَرَج... وأمّا القراءة الأخرى فواضحة، والباء للحال من الفاعل، أي ملتبسة بالدهْنِ يعني وفيها الدهن، كما يقال : ركب الأمير بجنده. وقرأ الحسن والزهري وابن هرمز « تنبت » مبنيًّا للمفعول من أنبتها الله و « بالدُّهْنِ » حال من المفعول القائم مقام الفاعل أي : ملتبسة بالدُّهن. وقرأ زِرّ بن حبيش « تُنْبِتُ الدُّهْنَ » من أنبت، وسقوط الباء هنا يدل على زيادتها في قراءة من أثبتها. والأشهب وسليمان بن عبد الملك « بالدِّهَان » وهو جمع دُهْن كرُمْح ورماح وأمّا قراءة أُبّي :« تُتْمِر »، وعبد الله :« تُخْرِج » فتفسير لا قراءة لمخالفة السواد، والدّهن : عصارة ما فيه دسم، والدَّهن - بالفتح - المسح بالدُّهن مصدر دَهَن يَدْهُنُ، والمُدَاهَنَة من ذلك كأنه يمسح على صاحبه ليقر خاطره.
فصل
اختلفوا في « طُورِ سَيْنَاء » وفي « طُورِ سِينِينَ ». فقال مجاهد : معناه البركة أي : من جبل مبارك. وقال قتادة : معناه الحسن أي : الجبل الحسن. وقال الضحاك : معناه بالنبطية : الحسن.
وقال عكرمة : بالحبشية. وقال الكلبي : معناه : المشجر أي : جبل وشجر. وقيل : هو بالسريانية : الملتف بالأشجار. وقال مقاتل : كل جبل فيه أشجار مثمرة، فهو سَيْناء، وسِينِين بلغة النبط.