الخامس : أنّ خبر الأولى محذوف لدلالة خبر الثانية عليه، فتقديره : أنكم تبعثون، وهو العامل في الظرف، و ( أنَّ ) الثانية وما في حيزها بدل من الأولى، وهذا مذهب سيبويه.
السادس : أن يكون « أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ » مبتدأ وخبره الظرف مقدماً عليه، والجملة خبر عن ( أَنَّكُمْ ) الأولى، والتقدير : أيعدكم أنكم إخراجكم كائن أو مستقر وقت موتكم. ولا يجوز أن يكون العامل في « إذَا » « مُخْرَجُونَ » على كل قول لأن ما في حيز ( أنَّ ) لا يعمل فيما قبلها ولا يعمل فيها « متم »، لأنه مضاف إليه، و « أَنَّكُمْ » وما في حيزه في محل نصب أو جر بعد حذف الحرف إذ الأصل : أيعدكم بأنكم ويجوز أن لا يقدر حرف جر، فيكون في محل نصب فقط نحو : وعدت زيداً خيراً.
قوله :« هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ». « هَيْهَاتَ » اسم فعل معناه : بَعُدَ، وكُرر للتوكيد وليست المسألة من التنازع، قال جرير :

٣٧٩٢- فَهَيْهَات هَيْهَاتَ العقيقُ وأهلهُ وهَيْهَاتَ خِلٌّ بالعقيقِ نُوَاصِلُه
وفسره الزجاج في عبارته بالمصدر، فقال : البُعْدُ لِمَا تُوعَدُونَ، أو بُعْدٌ لِمَا تُوعَدُون فظاهرها أنه مصدر بدليل عطف الفعل عليه، ويمكن أن يكون فسّر المعنى فقط.
و « هَيْهَات » اسم لفعل قاصر برفع الفاعل، وهنا قد جاء ما ظاهره الفاعل مجروراً باللام فمنهم من جعله على ظاهره وقال « مَا تُوعدُون » فاعل به، وزيدت فيه اللام التقدير : بَعُدَ بَعُدَ ما تُوعدُون، ، وهو ضعيف : إذ لم يعهد زيادتها في الفاعل. ومنهم من جعل الفاعل مضمراً لدلالة الكلام عليه، فقدره أبو البقاء : هيهات التصديق، أو : الصحة لما توعدون. وقدّره غيره : بَعُدَ إخْرَاجُكُم. و ( لِمَا تُوعَدُونَ ) للبيان، قال الزمخشري : لبيان المستبعد ما هو بعد التصويت بكلمة الاستبعاد كما جاءت اللام في « هَيْتَ لَكَ » لبيان المهيت به. وقال الزجاج :« البُعْدُ لِمَا تُوعَدُونَ » فجعله مبتدأ والجار بعد الخبر. قال الزمخشري : فإن قُلْتَ :( مَا تُوعَدُونَ ) هو المستبعد، فمن حقه أن يرتفع ب « هَيْهَاتَ » كما ارتفع بقوله :
٣٧٩٣- هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ العَقِيقُ وأَهْلُه... فما هذه اللام؟ قُلتُ : قال الزجاج في تفسيره : البعْدُ لِمَا تُوعدُونَ أو بُعْدٌ لِمَا تُوعَدُونَ فيمن نَوّن، فنزّله منزلة المصدر. قال أبو حيان : وقول الزمخشري ( فمن نَوّنه نزّله منزلة المصدر ) ليس بواضح، لأنهم قد نَوّنُوا أسماء الأفعال ولا نقول : إنها إذا نُوّنت تنزلت منزلة المصادر. قال شهاب الدين : الزمخشري لم يقل كذا، إنما قال : فيمن نَوَّن نزله منزلة المصدر لأجل قوله : أو بُعْد، فالتنوين علة لتقديره إياه نكرة لا لكونه منزلاً منزلة المصدر، فإنّ أسماء الأفعال ما نُوّن منها نكرة، وما لم يُنوّن معرفة نحو : صَهْ وصَهٍ يقدر الأول بالسكوت، والثاني بسكوت ما.


الصفحة التالية
Icon