وقال المُفضل :« بالحقِّ » بما لا مدفع له كقوله :﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ﴾ [ ق : ١٩ ].
قوله :« فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً » الجعل بمعنى : التصيير، و « غُثَاءً » مفعول ثان، والغُثَاء : قيل : هو الجفاء، وتقدم في الرعد، قاله الأخفش وقال الزجاج : هو البالي من ورق الشجر والعيدان إذا جرى السيل خالط زبده واسود، ومنه قوله :« غُثَاءً أَحْوَى » وقيل : كل ما يلقيه السيل والقدر مما لا ينتفع به، وبه يُضْربُ المثل في ذلك ولامه واو، لأنه من غَثَا الوادي يَغْثُوا غَثْواً، وكذلك غَثَتِ القِدر، وأمّا غَثِيَتْ نَفْسُهُ تَغْثِي غَثَيَاناً، أي : خَبُثَتْ. فهو قريب من معناه، ولكنه من مادة الياء.
وتشدد ( ثاء ) الغُثَاء، وتُخفَّف، وقد جمع على أَغْثَاء، وهو شاذ، بل كان قياسه أن يجمع على أغْثِية، كَأغْرِيَة، وعلى غِيثَان، كغِرْبَان، وغِلْمَان وأنشدوا لامرئ القيس :
٣٧٩٨- مِنَ السَّيْلِ والغُثَّاءُ فَلْكَةُ مِغْزَلِ... بتشديد الثاء، وتخفيفها، والجمع، أي : والأَغْثَاء.
قوله :﴿ فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظالمين ﴾ « بُعْداً » مصدر يذكر بدلاً من اللفظ بفعله فناصبه واجب الإضمار لأنه بمعنى الدعاء عليهم، والأصل : بَعُدَ بُعْداً وبَعَداً نحو رَشُدَ رُشْداً ورَشَداً وفي هذه اللام قولان :
أظهرهما : أنها متعلقة بمحذوف للبيان، كهي في سَقْياً له، وجَدْعاً له. قاله الزمخشري.
والثاني : أنَّها متعلقة ب « بُعْداً » قاله الحوفي. وهذا مردود، لأنه لا يُحفظ حذف هذه اللام، ووصول المصدر إلى مجرورها ألبتة، ولذلك منعوا الاشتغال في قوله :﴿ والذين كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ ﴾ [ محمد : ٨ ] لأن اللام لا تتعلق ب « تَعْساً » بل بمحذوف، وإن كان الزمخشري جَوَّز ذلك، وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
فصل
« فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً » صيرناهم هلكى فَيَبِسُوا يَبْسَ الغثاء من نبات الأرض، « فَبُعْداً » بمنزلة اللعن الذي هو التبعيد من الخير « لِلقَوْمِ الظَالِمِينَ » الكافرين، ذكر هذا على وجه الاستخفاف والإهانة لهم.