وقيل : كان هاروُن فاسقاً في بني إسرائيل مُعْلِناً بالفِسْقُ، فشبَّهوها به. وقول الكلبيّ أقربُ؛ لوجهين :
الأول : أن الأصل في الكلام الحقيقةُ؛ فيحملُ الكلامُ على أخيها المسمَّى ب « هارُونَ ».
الثاني : أنها أضيفت إليه، ووُصف أبواها بالصَّلاح؛ وحينئذ يصيرُ لتوبيخُ أشدَّ، لأنَّ من كان حال أبويه وأخيه هذا الحال، يكونُ صدور الذَّنْبِ منه أفحش.
ثم قالوا :﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ ﴾.
قال ابن عبَّاس : أي : زانياً، « وما كانَتْ أمُّك » حنَّة « بغيَّا » أي : زانية، فمن أين لك هذا الولدُ.
قوله تعالى :﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ﴾ : الإشارةُ معروفةٌ تكون باليد والعين وغير ذلك، وألفها عن ياءٍ، وأنشدوا لكثيرٍ :[ الطويل ]
٣٦٠٣- فقُلْتُ وفي الأحشاءِ داءٌ مُخامِرٌ | ألا حبَّذا يا عزُّ ذَاكَ التَّشايرُ |
أحدها : أنها زائدةٌ، وهو قولُ أبي عبيدٍ، أي : كيف نُكَلِّمُ من في المهد، و « صَبِيَّا » على هذا : نصبٌ على الحالِ من الضمير المستتر في الجارُ والمجرورِ الواقع صلة، وقد ردَّ أبو بكرٍ هذا القول- أعني كونها زائدة- بأنها لو كانت زائدة، لما نصبت الخبر، وهذه قد نصبْ « صَبيَّا » وهذا الردُّ مرودٌ بما ذكرتُه من نصبه على الحال، لا الخبر.
الثاني : أنها تامَّةٌ بمعنى حدوث ووجد، والتقدير : كيف نكلمُ من وجد صبيَّا، و « صبيَّا » حال من الضمير في « كان ».
الثالث : أنها بمعنى ضار، أي : كيف نكلِّم من صار في المهد صبيَّا، و « صَبِيَّا » على هذا : خبرها؛ فهو كقوله :[ الطويل ]
٣٦٠٤-....................... | قَطَا الحَزْنِ قد كَانَتْ فِرَاخَاً بُيُوضُهَا |
وأمَّا « مَنْ » فالظاهرُ أنَّها موصولةٌ بعني الذي، وضعفٌ جعلها نكرة موصوفة، أي : كيف نكلِّم شخصاً، أو مولوداً، وجوَّز الفرَّاء والزجاج فيها أن تكون شرطيَّة، و « كان » بمعنى « يَكُنْ » وجوابُ الشرطِ : إمَّا متقدِّمٌ، وهو « كَيْفَ نُكَلِّمُ » أو محذوفٌ، لدلالةِ هذا عليه، أي : من يكن في المهدِ صبياً، فكيف نُكلِّمُهُ؟ فهي على هذا : مرفوعة المحلِّ بالابتداءِ، وعلى ما قبله : منصوبته ب « نُكَلِّمُ » وإذا قيل بأنَّ « كان » زائدةٌ؛ هل تتحمَّلُ ضميراً، أم لا؟ فيه خلافٌ، ومن جوَّز، استدلَّ بقوله :[ الوافر ]