[ طه : ٢٩- ٣١ ] فاجابه الله تعالى بقوله :﴿ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى ﴾ [ طه : ٣٦ ] وقوله :﴿ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ ﴾ [ القصص : ٣٥ ].
قوله تعالى :﴿ واذكر فِي الكتاب إِسْمَاعِيلَ ﴾.
وهو إسماعيلُ بن إبراهيم جدِّ النبيِّ ﷺ ﴿ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوعد ﴾.
قال مجاهدٌ لم يعد شيئاً إلاَّ وفَّى به.
ورُوِيَ عن ابن عبَّاسٍ أنه [ واعد ] صاحباً له أن ينتظره في مكانٍ، فانتظره سنة. وأيضاً : وعد من نفسه الصَّبْرَ على الذَّبْح، فوفَّى حيث قال :﴿ ستجدني إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين ﴾ [ الصافات : ١٠٢ ] ويُروى أنَّ عيسى -صلوات الله عليه- قال له رجلٌ : انتظرني؛ حتى آتيك، فقال عيسى : نعم، وانطلق الرجلُ، ونَسِيَ الميعاد، فجاء إلى حاجته إلى ذلك المكان، وعيسى -صلوات الله عليه- هناك للميعاد.
وعن رسول الله ﷺ أنَّهُ واعد رجُلاً، و [ ونَسِيَ ذلك الرَّجلُ ]، فانتزهرٌ من الضُّحى إلى قريبٍ [ مِنْ ] غروب الشمس، وسُئِلَ الشعبيُّ عن الرجل يعدُ ميعاداً : إلى أيِّ وقتٍ ينتظر؟ قال : إن واعدهُ نهاراً، فكُلَّ النَّهارِ، وإن واعدهُ ليلاً، فكُلَّ اللَّيْلِ.
وسُئِلَ إبراهيمُ بنُ زيدٍ عن ذلك، فقال : إذا وعدتهُ في وقتِ الصَّلاةِ، فانتنظرهُ إلى وقت صلاةِ أخرى، ثم قال :﴿ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ﴾ وقد مرَّ تفسيرهُ، ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بالصلاة والزكاة ﴾، والمرادُ بالأهل : قومهُ.
وقيل : أهله جميع أمَّتِهِ.
قال المفسِّرون : إنه كان رسولاً إلى « جُرْهُم ».
والمراد بالصلاة هناك [ قال ] ابن عبَّاس -Bهما- : يريد التي افترضها الله عليهم، وهي الحنيفية التي افترضها علينا.
قيل : كان يبدأ بأهله في الأمر للعبادة، ليجعلهم قٌدوة لمن سواهُم؛ كما قال تعالى :﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين ﴾ [ الشعراء : ٢١٤ ] ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة ﴾ [ طه : ١٣٢ ] ﴿ قوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ﴾ [ التحريم : ٦ ]، أمَّا الزكاةُ، فعن ابن عبَّاس -Bه- أنَّها طاعةُ الله، والإخلاصُ؛ فكأنَّه تأوَّله على ما يزكُو به الفاعلُ عند ربِّه، والظاهرُ : أنَّه إذا قُرنتِ الصَّلاة بالزَّكاة : أن يُرَاد بها [ الصدقات ] الواجبةُ.
قوله تعالى :﴿ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ﴾ قائماً بطاعته.
وقيل : رضيه لنبوته ورسالته.
والعامَّةُ على قراءته كذلك معتلاًّ وأصله مَرْضُووٌ، بواوين : الأولى زائدةٌ؛ كهي في مضروبٍ : والثانية : لام الكلمة؛ لأنه من الرِّضوان، فأعلَّ بقلب الواو [ ياءً، وأدغمت ] الأخيرةُ ياءً، واجتمعت الياءُ والواوُ ياءً، وأدغمت، ويجوز النطقُ بالإصلِ، وقد تقدَّم تحريرُ هذا.
وقرأ ابن أبي عبلة بهذا الأصل، وهوالأكثرُ؛ ومن الإعلالِ قوله :[ الطويل ]
٣٦٠٩- لقَدْ عَلِمَتْ عرسِي مُلَيْكَةُ أنَّنِي | أنَا المرءُ مَعْدِيًّا عليْهِ وعَاديَا |
قوله تعالى :﴿ واذكر فِي الكتاب إِدْرِيسَ ﴾ الآية إدريسُ هو جدُّ أبي نوحٍ -صلوات الله عيله وسلامه- وهو نوحُ بنُ لمك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو إدريس -عليه السلام-.
قيل : سُمِّي « إدريسَ » لكثرة دراسة الكُتُب، وكان خيَّاطاً، وهو أوَّلُ من خطَّ بالقلم، وخاط الثِّياب، ولبس المخيطَ، وكان قبلهُ يلبسُون الجُلُود، وأوَّل من اتَّخذ السِّلاح، وقاتل الكُفَّار، وأوَّلُ من نظر في علم الحساب ﴿ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً ﴾.