قوله تعالى :﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ﴾ الآية.
لما وصف الأنبياء بالمدح ترغيباً لنا في التأسي بهم ذرك بعدهم من بالضد منهم، فقال :﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ أي من بعد هؤلاء الأنبياء « خَلْفٌ » من أولادهم، يقال : خلفه إذا عقبه خلف سوء -بإسكان اللام- والخَلَف- بفتح اللام -الصالح، كما قالوا : وعد في ضمان الخير، ووعيد في ضمان الشر، وفي الحديث :« في الله خلفٌ من كل هالك » وفي الشعر :
٣٦١٠- ذَهَبَ الذِينَ يُعَاشُ في أكْنَافِهِمْ | وبَقيتُ في خَلْفٍ كَجِلْدِ الأجْرَبِ |
وقال أبو أمامة : مجازاة الآثام. وقال الضحاك :« غَيًّا » : خسراناً. وقيل : هلاكاً وقيل : عذاباً، ونقل الأخفش أنه قرئ « يُلَقَّوْنَ » بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف من لقَّاه مضاعفاً. وقوله :« يَلْقَوْنَ » ليس معناه « يرون » فقط بل معناه الاجتماع والملابسة مع الرؤية. قوله :« إلاَّ من تَابَ » فيه وجهان :
أظهرهما : أنه استثناء متصل. وقال الزجاج : هو منقطع. وهذا بناء منه على أن المضيع للصلاة من الكفار.
وقرأ عبد الله والحسن والضحاك وجماعة « الصلوات » جمعاً.
وقرأ الحسن هنا وجميع ما في القرآن « يُدْخَلُونَ » مبنيًّا للمفعول.
فصل
« احتجوا » بقوله :﴿ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾ على أن الإيمان غير العمل، لأنه عطف العمل على الإيمان، والمعطوف غير المعطوف عليه.
أجاب الكعبي : بأنه تعالى فرق بين التوبة والإيمان، والتوبة من الإيمان فكذلك العمل الصالح يكون من الإيمان وإن فرق بينهما.
وهذا الجواب ضعيف، لأن عطف الإيمان على التوبة يقتضي المغايرة بينهما، لأن التوبة عزم على الترك، والإيمان إقرار بالله، وهما متغايران، فكذلك في هذه الصورة.
ولما بيَّن وعيد من لم يتب بيَّن أن من تاب وآمن وعمل صالحاً فلهم الجنة ولا يلحقهم ظلم.
وهنا سؤالان :
السؤال الأول : الاستثناء دل على أنه لا بُدَّ من التوبة والإيمان والعمل الصالح، وليس الأمر كذلك، لأن من تاب عن الكفر ولم يدخل وقت الصلاة أو كانت المرأة حائضاً فإن الصلاة لا تجب عليه، وكذلك الصوم والزكاة فلو مات في ذلك الوقت كان من أهل النجاة مع أنه لم يصدر عنه عمل، فلم يجز توقف الأجر على العمل الصالح.