والجواب : ان هذه الصورة نادرة، والأحكام إنما تناط بالأعم الأغلب.
السؤال الثاني : قوله :﴿ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً ﴾ يدل على أن الثواب مستحق بالعمل لا بالتفضّل، لأنه لو كان بالتفضل، لاستحال حصول الظلم، لكن من مذهبكم أنه لا استحقاق للعبد بعمله إلا بالوعد.
وأجيب بأنه لما أشبهه أجري على حكمه.
قوله :﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾ العامة على كسر التاء نصباً على أنها بدل من « الجنة ». وعلى هذه القراءة يكون قوله :﴿ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه اعتراض بين البدل والمبدل منه.
والثاني : أنه حال. كذا قال أبو حيان.
وفيه نظرٌ من حيث إن المضارع المنفي ب « لا » كالمثبت في أنه لا تباشره واو الحال.
وقرأ أبو حيوة، وعيسى بن عمر، والحسن، والأعمش :« جنَّات » بالرفع وفيه وجهان :
أحدهما : أنه خبر مبتدأ مضمر، تقديره : تلك أو هي جنات عدن.
والثاني : وبه قال الزمخشري : أنها مبتدأ، يعني ويكون خبرها « الَّتي وَعدَ ».
وقرأ الحسن بن حيّ، وعلي بن صالح، والأعمش في رواية « جنَّة عدنٍ » نصباً مفرداً. واليماني، والحسن، والأزرق عن حمزة، « جَنَّةُ » رفعاً « مفرداً ». وتخريجها واضح مما تقدم.
قال الزمخشري : لما كانت مشتملة على جنات عدن أبدلت منها، كقولك أبصرت دارك القاعة والعلالي، و « عَدْن » معرفة بمعنى العدن، وهو الإقامة كما جعلوا فينة، وسحر، وأمس فيمن لم يصرفه أعلاماً لمعاني الفينة والسحر والأمس، فجرى مجرى العجن لذلك، أو هو أعلم لأرض الجنة، لكونها دار إقامة، ولولا ذلك لما ساغ الإبدال، لأنَّ النكرة لا تبدل من المعرفة إلا موصوفة، ولما ساغ وصفها ب « التي ».
قال أبو حيان : وما ذكره متعقب، أما دعواه : إن عدناً علم لمعنى العدن. فيحتاج إلى توقيف وسماع من العرب، وكذا دعواه العلمية الشخصية فيه، وأما قوله : ولولا ذلك، إلى قوله : موصوفة؛ فليس مذهب البصريين، لأن مذهبهم جواز إبدال النكرة من المعرفة إن لم تكن موصوفة، وإنما ذلك شيء قاله البغداديون، وهم محجوجون بالسماع على ما بيناه، وملازمته فاسدة. وأما قوله : ولما ساغ وصفها ب « التي »، فلا يتعين كون « التي » صفة، وقد ذكرنا أنه يجوز إعرابه بدلاً.
قال شهاب الدين : إن « التي » صفة، والتمسك بهذا الظاهر كافٍ وأيضاً : فإن الموصول في قوة المشتقات، وقد نصوا على أن البدل بالمشتق، ضعيف، فكذلك ما في معناه.
قوله :« بالغَيْبِ » فيه وجهان :
أحدهما : ان الباء حالية، وفي صاحب الحال احتمالان :
أحدهما : ضمير الجنة، وهو عائد الموصول، أي : وعدها وهي غائبة عنهم لا يشاهدونها.