فنزل قوله :﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ ﴾، وقوله :﴿ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ ﴾ [ الكهف : ٢٣، ٢٤ ] وسورة الضحى وفي هذه الآية سؤال : وهو أن قوله :﴿ تِلْكَ الجنة التي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً ﴾ [ مريم : ٦٣ ] كلام الله، وقوله :﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ ﴾ كلام غير الله، فكيف جاز هذا على ما قبله من غير فصل؟.
وأجيب : بأنه إذا كانت القرينة لم يقبح كقوله -تعالى- :﴿ إِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [ مريم : ٣٥ ]، ( وهذا كلام الله تعالى، ثم عطف عليه ) ﴿ وَإِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه ﴾ [ مريم : ٣٦ ]. واعلم أنَّ ظاهر قوله :﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ ﴾ خطاب جماعة لواحد، وذلك لا يليق بالذين ينزلون على الرسول، فلذلك ذكروا في سبب النزول ما تقدم. ثم قال :﴿ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا ﴾ أي : علم ما بين أيدينا قال سعيد بن جبير وقتادة، ومقاتل :« ما بَيْنَ » أيدِينَا « من أمر الآخرة، والثواب والعقاب، » ومَا خَلْفَنَا « من أمر الدنيا، » ومَا بَيْنَ ذلِكَ « ما يكون في هذا الوقت إلى قيام الساعة. وقيل :» مَا بَيْنَ أيْدِينَا « من أمر الآخرة، » ومَا خَلْفَنَا « من أمر الدنيا، » ومَا بَيْنَ ذلِكَ « أي : بين النفختين، وبينهما أربعون سنة.
وقيل :»
مَا بَيْنَ أدينَا « ما بقي من أمر الدنيا، » ومَا خَلْفَنَا « ما مضى منها، » ومَا بَيْنَ ذَلِكَ « هذه حياتنا. وقيل :: مَا بَيْنَ أيْدِينَا » بعد أن نموت، « ومَا بَيْن ذلكَ » مدة الحياة. وقيل :« مَا بَيْنَ أيدِينَا » الأرض إذا أردنا النزول إليها، « ومَا خَلْفَنَا » السماء وما أنزل منها، « ومَا بَيْنَ ذلِكَ » الهواء، يريد أن ذلك كله لله -D- فلا يقدر على شيء إلاَّ بأمره. ثم قال :﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ﴾ أي : ناسياً، أي : ما نسيك ربك بمعنى تركك، والناسي التارك، كقوله :﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى ﴾ [ الضحى : ٣ ] أي : ما كان امتناع النزول لترك الله لك وتوديعه إياك.
قوله :﴿ رَّبُّ السماوات ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه بدل من « ربُّكَ ».
الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر، أي : هُو ربُّ.
الثالث : كونه مبتدأ والخبر الجملة الأمرية بعده. وهذا ماشٍ رأي الأخفش، إذ يجوِّز زيادة الفاء في خبر المبتدأ مطلقاً.
قوله :« لِعبادَتِهِ » متعلق ب « اصْطَبَرْ » فإن قيل : لِمَ لَمْ يقُلْ : واصطبر على عبادته، لأنها صلته، فكان حقه تعديه ب « على » ؟.
فالجواب : أنَّه ضمن معنى الثبات، لأنَّ العبادة ذات تكاليف قل من يصبر لها، فكأنَّه قيل : واثبت لها مصطبرا. واستدلوا بهذه الآية على أنَّ فعل العبد خلق لله -تعالى-، لأنَّ فعل العبدِ حاصل بين السموات والأرض، وهو رب لكل شيء حاصل بينهما.


الصفحة التالية
Icon