وأما عوده على المؤمنين في قراءة أبيّ، ففيه إشكال من حيث الإفراد. قال مكّيٌّ : يُوقَف على الأرض في هذه الأقوال الثلاثة.
وقيل : أراد ب « النور » الطاعة، سمى طاعة الله نوراً، وأضاف هذه الأنوار إلى نفسه تفضيلاً.

فصل


واختلفوا في هذا التشبيه :
( هل هو ) تشبيه مركب، أي : أنه قصد تشبيه جملة بجملة من غير نظر إلى مقابلة جزء بجزء، بل قصد تشبيه هُدَاهُ وإتْقَانهُ صُنْعَتَهُ في كل مخلوق على الجملة بهذه الجملة من النور الذي يتخذونه، وهو أبلغ صفات النور عندكم أو تشبيه غير مركب، أي : قصد مقابلة جزء بجزء. ويترتب الكلام فيه بحسب الأقوال في الضمير في « نورِهِ ». و « المِشْكَاةُ » : الكُوَّةُ غير النَّافِذة. وهل هي عربية أم حبشيّة مُعَرَّبَةٌ؟ خلاف.
قال مجاهد :« هي القنديل ». وقيل : هي الحديدةُ أو الرَّصاصةُ التي يُوضع فيها الذُّبالُ، وهو الفتيل، ويكون في جوف الزجاجة.
وقيل : هي العمود الذي يوضع على رأسه المصباح. وقيل : ما يعلق منه القنديل من الحديدة. وأمال « المِشْكَاة » الدُّوري عن الكسائي لِتقدُّم الكسر وإن وُجِدَ فاصل ورُسِمَتْ بالواو ك « الزكوة » و « الصلواة ». والمصباح : السِّراج الضَّخم، وأصله من الضوء ومنه الصبح. والزّجاجة : واحدة الزّجاج، وهو جوهَر معروف، وفيه ثلاث لغات : فالضم : لغة الحجاز، وبها قرأ العامة. والكسر والفتح : لغة قيس. وبالفتح قرأ ابن أبي عبلة ونصر بن عاصم في رواية ابن مجاهد. وبالكسر قرأ نصر بن عاصم في رواية عنه، وأبو رجاء. وكذلك الخلاف في قوله :« الزُّجَاجَةُ ». والجملة من قوله :« فِيهَا مِصْبَاح » صفة ل « مشكاة »، ويجوز أن يكون الجار وحده هو الوصف، و « مِصْبَاح » مرتفع به فاعلاً.
قوله :« دُرِّي ». قرأ أبو عمرو والكسائي بكسر الدال، وياء بعدها همزة. وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم بضم الدال وياء بعدها همزة. والباقون بضم الدال وتشديد الياء من غير همز. وهذه الثلاثة في السبع. وقرأ زيد بن عليّ والضحاك وقتادة بفتح الدال وتشديد الياء. وقرأ الزهري بكسرها وتشديد الياء.
وقرأ أبان بن عثمان وابن المسيب وأبو رجاء وقتادة أيضاً « دَرِّيءٌ » فتح الدال وياء بعدها همزة فأما الأولى فقراءة واضحة، لأنه بِنَاءً كثيرٌ، يوجد في الأسماء نحو :« سِكِّين » وفي الصفات نحو « سِكِّير ». وأما القراءة الثانية فهي من « الدرء » بمعنى : الدفع، أي : يدفع بعضها بعضاً، أو يدفع ضوؤها خفاءها.
قيل : ولم يوجد شيء وزنه « فُعِّيل » إلا « مُرِّيقاً » للعُصْفر، و « سُرِّيّة » على قولنا : إنها من السّرور، وأنه أبدل من إحدى المُضَعَّفَات ياء، وأُدْغِمت فيها ياء « فُعِّيل »، و « مُرِّيخاً » للذي في داخل القرن اليابس، ويقال بكسر الميم أيضاً، و « عُلِّية » و « دُرِّيءٌ » في هذه القراءة، و « دُرِّيَّة » أيضاً في قولٍ، وقال بعضهم : وزن « دريء » في هذه القراءة « فُعُّول » كسُبُّوح قُدُّوس فاستثقل توالي الضم فنُقِل إلى الكسر، وهذا منقول أيضاً في « سُرِّيّة » و « دُرِّيّة ».


الصفحة التالية
Icon