وقال عكرمة : هي البيوت كلها. والأول أولى، لأن في البيوت ما لا يوصف بأن الله أذن أن ترفع، وأيضاً فإن الله تعالى وصفها بالذكر والتسبيح والصلاة، وذلك لا يليق إلا بالمساجد. ثم القائلون بأنها المساجد قال بعضهم : بأنها أربعة مساجد لم يبنها إلا نبي : الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل فجعلاها قبلة. وبيت المقدس بناه داود وسليمان - عليهما السلام - ومسجد المدينة بناه النبي - عليه السلام - ومسجد قباء أسس على التقوى بناه رسول الله - ﷺ - قاله ابن بريدة. وعن الحسن أن ذلك بيت المقدس يسرج فيه عشرة آلاف قنديل. وهذا تخصيص بغير دليل.
وقال ابن عباس : المراد جميع المساجد كما تقدم.
قوله :« أَنْ تُرفَعَ ». قال مجاهد : تبنى كقوله :﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد مِنَ البيت ﴾ [ البقرة : ١٢٧ ]، وهو مرويّ عن ابن عباس. وقال الحسن والزجاج : تُعَظَّم وتُطَهَّر عن الأنجاس ولغو الأفعال. وقيل : مجموع الأمرين ﴿ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه ﴾.
قال ابن عباس : يتلى فيها كتابه. وقيل : عام في كل ذكر ﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا ﴾.
قرأ ابن عامر وأبو بكر بفتح الباء مبنياً للمفعول، والقائم مقام الفاعل أحد المجرورات الثَّلاث، والأَوْلَى منها بذلك الأَوَّل، لاحتياج العامل إلى مرفوعه، فالذي يليه أولى، و « رِجَالٌ » على هذه القراءة مرفوع على أحد وجهين : إمَّا بفعل مُقدَّر لتعذّر إسناد الفعل إليه، وكأنَّه جوابُ سؤالٍ مقدَّرٍ، كأنه قيل :« مَنْ يُسَبِّحُهُ » ؟ فقيل :« يُسَبِّحُهُ رجالٌ »، وعليه في أحد الوجهين قول الشاعر :

٣٨٣٥- ليُبْكَ يَزِيدُ ضَارعٌ لخُصُومةٍ وَمُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطيح الطَّوَائِح
كأنه قيل : من يَبْكيه؟ فقيل : يَبْكيه ضارعٌ، إلاَّ أَنَّ في اقتباس هذا خلافاً : منهم من ( جَوَّزهُ وقاس ) عليه :« ضُرِبَتْ هندٌ زيدٌ » أي : ضَرَبَهَا زيدٌ. ومنهم من مَنَعهُ.
والوجه الثاني في البيت أن « يَزِيدُ » منادى حذف منه حرفُ النِّداء، أي : ما يزيد وهو ضعيفٌ جداً.
الثاني : أن « رِجَالٌ » خبر مبتدأ محذوف، أي : المُسَبِّحةٌ رجالٌ.
وعلى هذه القراءة يوقف على « الآصالِ ». وباقي السبعة بكسر الباء مبنياً للفاعل، والفاعلُ « رِجَالٌ » فلا يوقف على « الآصَالِ ». وقرأ ابن وثَّاب وأبو حَيْوَة « تُسَبِّحُ » بالتاء من فوق، وكسر الباء، لأن جمع التكسير يُعَامَل معاملة المؤنث في بعض الأحكام، وهذا منها. وقرأ أبو جعفر كذلك إلاَّ أنه فتح ( الباء ). وخرَّجَها الزمخشري على إسناد الفعل إلى « الغُدُوّ والآصَالِ » على زيادة الباء، كقولهم :« صيد عليه يومان » ( والمراد : وحشهما ). وخرَّجها غيره على أن القائم مقام الفاعل ضمير التَّسبيحة، أي : تُسَبِّح التَّسبيحَةُ على المجاز المُسَوّغ لإسناده إلى الوقتين، كما خرجوا قراءة أبي جعفر أيضاً :« لِيُجْزَى قَوْماً » أي :« لِيُجْزَى الجَزَاء قَوْماً »، بل هذا أولى من آية الجاثية، إذ ليس هنا مفعول صريح.


الصفحة التالية
Icon