وقيل : بل الضميران في « جَاءَهُ » و « وَجَدَ » عائدان على « الظَّمْآن »، والباقية عائدة على الكافر. وإنما أفرد الضمير على هذا وإن تقدمه جمع، وهو قوله :« وَالَّذِينَ كَفَرُوا » حَمْلاً على المعنى؛ إذ المعنى : كلُّ واحدٍ من الكفار.
والأول أولى لاتِّساق الضمائر. وقرأ أبو جعفر، ورُويَتْ عن نافع :« الظَّمَانُ » بإلقاء حركة الهمزة على الميم.
فصل
قال الزجاج :« ( الظَّمْآن ) قد تخفف همزته، وهو الشديد العطش، ثم وجه التشبيه أن الذي يأتي به الكافر إن كان من أفعال البر فهو لا يستحق عليه ثواباً مع أنه يعتقد أن له ثواباً عليه، وإن كان من أفعال الإثم فهو يستحق عليه العقاب مع أنه يعتقد أنه ثواباً، فكيف كان فهو يعتقد أن له ثواباً عند الله تعالى، فإذا وافى عرصة القيامة ولم يجد الثواب، بل وجد العقاب العظيم عظمت حسرته وتناهى غمه، فيشبه حاله حال الظمآن الذي تشتد حاجته إلى الشراب ويتعلق قلبه به، ويرجو به النجاة، فإذا جاءه وأيس مما كان يرجوه عظم ذلك عليه ». قال مجاهد :« السراب : عمل الكافر وإتيانه إياه موته ومفارقة الدنيا ».
فإن قيل : قوله :﴿ حتى إِذَا جَآءَهُ ﴾ يدل على كونه شيئاً، وقوله :﴿ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً ﴾ مناقض له؟
فالجواب من وجوه :
الأول : معناه : لم يجد شيئاً نافعاً، كما يقال : فلان ما عمل شيئاً، وإن كان قد اجتهد.
الثاني :« إذا جَاءَهُ » أي : جاء موضع السراب لم يجد السراب، لأن السراب يرى من بعيد بسبب الكثافة كأنه ضباب وهباء، فإذا قرب منه رق وانتشر وصار كالهواء.
قوله :﴿ وَوَجَدَ الله عِندَهُ ﴾ أي : وجد عقاب الله عنده الذي توعد به الكافر.
وقيل : وجد الله عنده، أي : عند عمله، أي وجد الله بالمرصاد.
وقيل : قدم على الله « فَوَفَّاهُ حِسَابه » أي : جزاء عمله. قيل : نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية كان قد تعبد ولبس المسوح والتمس الدين في الجاهلية ثم كفر في الإسلام.
قوله :﴿ والله سَرِيعُ الحساب ﴾ لأنه تعالى عالم بجميع المعلومات، فلا يشق عليه الحساب.
وقال بعض المتكلمين :« معناه : لا تشغله محاسبة أحد عن آخر كنحن، ولو كان يتكلم بآلة كما تقول مشبهة لما صح ذلك ».
قوله تعالى :﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ ﴾ هذا مثل آخر ضربة الله تعالى لأعمال الكفار، وفي هذا العطف أوجه :
أحدها : أنه نسقٌ على « كَسَرَابٍ » على حذف مضاف واحد، تقديره : أو كَذِي ظُلُمَاتٍ، ودل على هذا المضاف قوله :﴿ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ فالكناية تعود إلى المضاف المحذوف.