الثالث : أنها زائدة، أي : ينزل من السماء جبالاً.
وقال الحوفي :( من جبال ) بدل من الأولى، ثم قال :« وهي للتبعيض ».
ورده أبو حيان بأنه لا تستقيم البدلية إلا بتوافقهما معنى، لو قلت : خرجت من بغداد من الكَرْخ، لم تكن الأولى والثانية إلا لابتداء الغاية.
وأما الثالثة ففيها أربعة أوجه :
الثلاثة المتقدمة، والرابع : أنها لبيان الجنس، قاله الحوفي والزمخشري. فيكون التقدير على قولهما ويُنَزِّل من السماء بعض جبال التي هي البَرَدُ، فالمُنَزَّلُ بَردٌ، لأنَّ بعض البَرَدِ بَرَدٌ، ومفعول « يُنَزِّلُ » : هو مِنْ جِبَالٍ كما تقدم تقريره.
وقال الزمخشري :« أَو الأولَيَان للابتداء، والثالثة للتبعيض » يعني : أنَّ الثانية بدلٌ من الأولى كما تقدم تقريره، وحينئذ يكون مفعول « يُنَزِّلُ » هو الثالثة مع مجرورها، التقدير : ويُنَزِّلُ بعض بردٍ من السماء من جِبَالِها. وإذا قيل بأن الثانية والثالثة زائدتان، فهل مجرورهما في محل نصب والثاني بدلٌ من الأول، والتقدير : ويُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ جِبالاً برداً، فيكون بدل كل من كل أو بعض من كل، أو الثاني في محل نصب مفعولاً ل « يُنَزِّل »، والثالث في محل رفع على الابتداء وخبره الجار قبله؟ خلافٌ، الأول قول الأخفش، والثاني قول الفراء، وتكون الجملة على قول الفراء صفة ل « جِبَال »، فيحكم على موضعها بالجر اعتباراً باللفظ، أو بالنصب اعتباراً بالمحل. ويجوز أن يكون « فِيهَا » وحده هو الوَصْفُ، ويكون « مِنْ بَرَدٍ » فاعلاً به لاعتماده، أي استقر فيها بردٌ. وقال الزجاج :« معناه : ويُنَزِّلُ من السماءِ من جبالٍ بَرَدٍ فيها، كما تقول : هذا خاتم في يدي من حديد، أي : خاتم حديد في يدي، وإنما جِئْتَ في هذا وفي الآية ب » مِنْ « لما فَرَّقْتَ، ولأنك إذا قلت : هذا خاتمٌ من حديدٍ، وخاتم حديدٍ، كان المعنى واحداً » انتهى.
فيكون « مِنْ بَرَدِ » في موضع جرٍّ صفة ل « جِبَالٍ » كما كان « مِنْ حَدِيدٍ » صفة ل « خَاتم »، ويكون مفعول :« يُنَزِّلُ » :« مِنْ جِبَالٍ »، ويلزم من كون الجبال بَرَداً أن يكون المُنَزَّلُ بَرَداً.
وقال أبو البقاء : والوجه الثاني : أن التقدير : شيئاً من جبال، فحذف الموصوف واكتفى بالصفة. وهذا الوجه هو الصحيح، لأن قوله :﴿ فِيهَا مِن بَرَدٍ ﴾ يُحوجك إلى مفعول يعود الضمير إليه، فيكون تقديره : ويُنَزِّلُ مِنْ جِبَال السماء جبالاً فيها بَرَدٌ، وفي ذلك زيادة حَذْفٍ وتقدير مستغنًى عنه. وفي كلامه نَظَرٌ، لأن الضمير له شيءٌ يعود عليه وهو « السَّمَاء »، فلا حاجة إلى تقدير شيء آخر، لأنه مستغنى عنه، وليس ثَمَّ مانعٌ يمنع من عوده على « السَّمَاء ».


الصفحة التالية
Icon