وقال الفارسيُّ : الكسرة في الهاء لالتقاء الساكنين، وليست الكسرة التي قبل الصلة، وذلك أنَّ هاء الكناية ساكنةٌ في قراءته، ولما أَجْرَى « تَقِهِ » مجرى كَتِفٍ، وسكَّن القاف التقى ساكنان، ولمَّا التقيا اضطر إلى تحريك أحدهما، فإمَّا أن يحرِّك الأول أو الثاني، ( و ) لا سبيل إلى تحريك الأول، لأنه يعود إلى ما فرَّ منه، وهو ثقل « فَعِل » فحرَّك ثانيهما ( على غير ) أصل التقاء الساكنين، فلذلك كسر الهاء، ويؤيده قوله :

٣٨٥٢-........................ .................. لَمْ يَلْدَه أبَوَانِ
وذلك أن أصله : لم « يَلِدْه » بكسر اللام وسكون الدال للجزم، ثم لما سكن اللام التقى ساكنان، فلو حرك الأول لعاد إلى ما فرَّ منه، فحرك ثانيهما وهو الدال، وحركها بالفتح وإن كان على خلاف أصل التقاء الساكنين مراعاة لفتحة الياء. وقد ردَّ أبو القاسم بن فيره قول الفارسي وقال : لا يصحُّ قوله : إنه كسر الهاء لالتقاء الساكنين، لأن حفصاً لم يسكِّن الهاء في قراءته قطُّ وقد رد أبو عبد الله شارح قصيدته هذا الردَّ، وقال : وعجبت من نفْيِهِ الإسكان عَنْهُ مع ثُبُوتِهِ عَنْهُ في « أَرْجِهْ » و « فَأَلْقِهْ »، وإذا قَرَأَهُ في « أَرْجِهْ » و « فَأَلْقِهْ » احتمل أن يكون « يَتَّقِهْ » عنده قبل سكون القاف كذلك، وربما يرجَّحَ ذلك بما ثبت عن عاصم من قراءته إيَّاه بسكون الهاء مع كسر القاف. قال شهاب الدين : لم يَعْنِ الشاطبيُّ بأنَّه لم يسكن الهاء قطّ، الهاء من حيث هي هي، وإنما ( عَنَى هَاء ) « يَتَّقِهْ » خاصة، وكان الشاطبيّ أيضاً يعترض التوجيه الذي تقدم عن مكيّ، ويقول : تعليله حذف الصلة بأن الياء المحذوفة قبل الهاء مقدَّرةٌ منويَّةٌ، فبقي في حذف الصلة بعد الهاء على أصله غير مستقيم من قبل أنَّه قرأ « يُؤَدِّهِي » وشبَّهه بالصلة، ولو كان يعتبر ما قاله من تقدير الياء قبل الهاء لم يصلها.
قال أبو عبد الله : هو وإن قرأ « يُؤَدِّ هِي » وشبَّهَهُ بالصلة فإنه قرأ :« يَرْضَهُ » بغير صلةٍ، فَألحق مكيّ « يَتَّقِه » ب « يَرْضَهْ »، وجعله مما خرج فيه عن نظائره لاتّباع الأثر، والجمع بين اللغتين، ويرجح ذلك عنده لأنّ اللفظ عليه، ولما كانت القاف في حكم المكسورة بدليل كسر الهاء بعدها صار كأنه « يَتَّقِهِ » بكسر القاف والهاء من غير صلةٍ، كقراءة قالون وهشام في أحد وجهيه، فعلَّله بما يُعَلَّل به قراءتهما، والشاطبيُّ يرجح عنده حمله على الأكثر مما قرأ به، لا على ما قلَّ وندر، فاقتضى تعليله بما ذكر.


الصفحة التالية
Icon