« يخرج ( الرجل ملأ كفه ) ».
قوله :« لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ » فيه وجهان :
أحدهما : هو جواب قسم مضمر، أي : أقسم ليستخلفنهم، ويكون مفعول الوَعْدِ محذوفاً تقديره : وَعَدَهُم الاسْتِخْلاَف، لدلالة قوله :« لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ » عليه.
والثاني : أن يُجْرَى « وَعَدَ » مجرى القسم لتحقُّقه، فلذلك أجيب بما يجاب به القسم.
قوله :« كَمَا اسْتَخْلَفَ » أي : اسْتِخْلاَفاً كَاسْتِخْلاَفِهِمْ. والعامة على بناء اسْتَخْلَفَ للفاعل.
وأبو بكر بناه للمفعول. فالموصول منصوب على الأول ومرفوع على الثاني.
قوله :« ولَيُبَدِّلَنَّهُمْ ». قرأ ابن كثير وأبو بكر :« وَليُبْدلَنَّهُمْ » بسكون الباء وتخفيف الدال من أبدل وتقدم توجيهها في الكهف في قوله :﴿ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا ﴾ [ الكهف : ٨١ ].
قوله :« يَعْبُدُونَنِي » فيه سبعة أوجه :
أحدها : أنه مستأنف، أي : جواب لسؤالٍ مقدر، كأنه قيل : ما بالهم يُسْتَخْلَفُونَ ويؤمنون؟
فقيل :« يَعْبُدُونَنِي ».
والثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر، أي : هم يَعْبُدُونَنِي، والجملة أيضاً استئنافية تقتضي المدح.
الثالث : أنه حال من مفعول « وَعَدَ اللَّهُ ».
الرابع : أنه حال من مفعول « لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ ».
الخامس : أن يكون حالاً من فاعله.
السادس : أن يكون حالاً من مفعول « لَيُبَدِّلَنَّهُمْ ».
السابع : أن يكون حالاً من فاعله.
قوله :« لاَ يُشْرِكُونَ ». يجوز أن يكون مستأنفاً، وأن يكون حالاً من فاعل « يَعْبُدُونَنِي » أي : يعبدونني موحدين، وأن يكون بدلاً من الجملة التي قبله الواقعة حالاً، وتقدم ما فيها.

فصل


دلّ قوله :« وَعَدَ اللَّهُ » على أنه متكلم، لأن الوعد نوع من أنواع الكلام، والموصوف بالنوع موصوف بالجنس، ولأنه تعالى ملك مطاع، والملك المطاع لا بُدّ وأن يكون بحيث يمكنه وعد أوليائه ووعيد أعدائه، فثبت أنه سبحانه متكلم.

فصل


ودلت الآية على أنه سبحانه يعلم الأشياء قبل وقوعها خلافاً لهشام بن الحكم، فإنه قال : لا يعلمها قبل وقوعها. ووجه الاستدلال أنه تعالى أخبر عن وقوع شيء في المستقبل إخباراً على التفصيل. وقد وقع المخبر مطابقاً للخبر، ومثل هذا الخبر لا يصح إلا مع العلم.

فصل


ودلت الآية على أنه تعالى حي قادر على جميع الممكنات لقوله :« لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأَرْضِ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً » وقد فعل كل ذلك، وصدور هذه الأشياء لا يصح إلا من القادر على كل الممكنات المقدورات.

فصل


ودلت الآية على أنه سبحانه هو المستحق للعبادة، لأن قال :« يَعْبُدُونَنِي ».
وقالت المعتزلة : الآية تدل على أن فعل الله تعالى معلل بالغرض، لأنَّ المعنى : لكي يعبدونني. وقالوا أيضاً : الآية تدل على أنه سبحانه يريد العبادة من الكل، لأنّ من فعل فعلاً لغرض، فلا بدَّ وأن يكون مريداً لذلك الغرض.


الصفحة التالية
Icon