قال أبو عبيد : لم يصر أحد من العلماء إلى أن الأمر بالاستئذان منسوخ. وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال : ثلاث آيات من كتاب الله تركهن الناس لا أرى أحداً يعمل بهن، قال عطاء : حفظت آيتين ونسيت واحدة، وقرأ هذه الآية، وقوله ﴿ ياأيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى ﴾ [ الحجرات : ١٣ ] ذكر سعيد بن جبير أن الآية الثالثة :﴿ وَإِذَا حَضَرَ القسمة أُوْلُواْ القربى... ﴾ [ النساء : ٨ ] الآية.
قوله :« لَيْسَ عَلَيْكُمْ » هذه الجملة يجوز أن يكون لها محل من الإعراب، وهو الرفع نعتاً ل « ثَلاَثُ عَوْرَات » في قراءة من رفعها، كأنه قيل : هُنَّ ثَلاَثُ عَوْراتٍ مخصوصةٌ بالاستئذان، وأَلاَّ يكون لها محل، بل هي كلام مقرر للأمر بالاستئذان في تلك الأحوال خاصة، وذلك في قراءة من نصب « ثَلاَثَ عَوْرَاتٍ ».
قوله :« بعدهن ». قال أبو البقاء : التقدير : بعد استئذانهم فيهن، ثم حذف حرف الجر والفاعل فبقي « بعد استئذانهم » ثم حذف المصدر.
يعني بالفاعل : الضمير المضاف إليه الاستئذان، فإنه فاعل معنوي بالمصدر، وهذا غير ظاهر، بل الذي يظهر أن المعنى : ليس عليكم جناح ولا عليهم أي : العبيدُ والإماءُ والصبيانُ « جُنَاحٌ » في عدم الاستئذان بعد هذه الأوقات المذكورة، ولا حاجة إلى التقدير الذي ذكره.
قوله :« طَوَّافُونَ » خبر مبتدأ مضمر تقديره :« هُمْ طَوَّافُونَ »، و « عَلَيْكُم » متعلق به.
قوله :﴿ بَعْضُكُمْ على بَعْضٍ ﴾. في « بَعْضُكُم » ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مبتدأ، و « عَلَى بَعْضٍ » الخبر، فقدره أبو البقاء :« يَطُوفُ على بعض » وتكون هذه الجملة بدلاً مما قبلها، ويجوز أن تكون مؤكدة مبينة، يعني : أنها أفادت إفادة الجملة التي قبلها، فكانت بدلاً أو مؤكدة. وردّ أبو حيان هذا بأنه كونٌ مخصوص، فلا يجوز حذفه.
والجواب عنه : أن الممتنع الحذف إذا لم يدل عليه دليل، وقُصِدَ إقامةُ الجار والمجرور مقامه. وهنا عليه دليل ولم يُقْصَد إقامة الجار مقامه. ولذلك قال الزمخشري : خبره « عَلَى بَعْضٍ » على معنى : طائف على بعض، وحذف لدلالة « طوافون » عليه.
الثاني : أن يرتفع بدلاً من « طَوَّافُونَ » قاله ابن عطية قال أبو حيان : ولا يصحُّ إن قدَّر الضميرَ ضمير غيبةٍ لتقدير المبتدأ « هم » لأنه يصير التقدير : هُمْ يطوفُ بعضكُم على بعضٍ وهو لا يصح، فإن جعلت التقدير : أنتم يطوف بعضكم على بعض، فَيَدْفَعهُ أنَّ قوله :« عَليْكُم » يدل على أنهم هم المطوفُ عليهم، و « أنتُمْ طَوَّافُونَ » يدل على أنهم طائفون، فتعارضا. قال شهاب الدين : الذي نختار أن التقدير : أنتم، ولا يلزمُ محذور، وقوله : فيدفعه إلى آخره، لا تعارض فيه، لأن المعنى : كل منكم ومن عبيدكم طائف على صاحبه، وإن كان طوافُ أحد النوعين غير طواف الآخر، لأنَّ المراد الظهور على أحوال الشخص، ويكون « بعضكم » بدلاً من « طَوَّافُونَ » و « على بعض » بدلاً من عليكم بإعادة العامل، فأبدلت مرفوعاً من مرفوع ومجروراً من مجرور، ونظيره قوله :