وقرأ طلحة « اكتُتِبهَا » مبنياً للمفعول.
قال الزمخشري : والمعنى : اكتتبها له كاتب، لأنه كان أمياً لا يكتب بيده، ثم حذفت اللام فأفضى الفعل إلى الضمير، فصار اكتُتِبها إياه كاتب، كقوله :﴿ واختار موسى قَوْمَهُ ﴾ [ الأعراف : ١٥٥ ]، ثم بنى الفعل للضمير الذي هُوَ إيَّاه فانقلب مرفوعاً مستتراً بعد أن كان منصوباً بارزاً، وبقي ضمير الأساطير على حاله، فصار « اكتُتِبَها » كما ترى. قال أبو حيان : ولا يصح ذلك على مذهب جمهور البصريين، لأن « اكتَتَبها » له كاتب، وصل الفعل فيه المفعولين : أحدهما : مسرح، وهو ضمير الأساطير والآخر مقيّد، وهو ضميره عليه السلام - ثم اتسع في الفعل، فحذف حرف الجر، فصار « اكْتَتَبَها إياه كاتبٌ »، فإذا بني هذا للمفعول إنما ينوب عن الفاعل المفعول المسرح لفظاً وتقديراً، لا المسرح لفظاً المقيد تقديراً، فعلى هذا كان يكون التركيب ( اكتَتَبه ) لا ( اكتَتَبها )، وعلى هذا الذي قلناه جاء السماع، قال الفرزدق :
٣٨٦١- ومنَّا الَّذِي اختير الرجال سماحةً | وجوداً إذا هبَّ الرياحُ الزّعازعُ |
والظاهر أن الجملة من قوله ﴿ اكتتبها فهي تملى ﴾ من تتمة قول الكفار.
وعن الحسن أنها من كلام الباري تعالى، وكان حق الكلام على هذا أن يقرأ « أَكْتَتَبَها » بهمزة مقطوعة مفتوحة للاستفهام كقوله :﴿ أفترى عَلَى الله كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ ﴾ [ سبأ : ٨ ]. ويمكن أن يعتذر عنه أنه حذف الهمزة للعلم بها كقوله تعالى :﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ ﴾ [ الشعراء : ٢٢ ]. وقول الآخر :
٣٨٦٢- أفْرَحُ أَنْ أُرزأَ الكرام وأن | أُورَثَ ذَوْداً شَصَائِصاً نَبلاَ |
أحدهما : اراد اكتِتَابها وطلبه، فهي تملى عليه، أو كتبت له، وهو أمر فهي تملى عليه، أي : تلقى عليه من كتاب يتحفظها، لأن صورة الإلقاء على الحافظ كصورة الإلقاء على الكاتب.
وقرأ عيسى وطلحة « تُتْلَى » بتاءين من [ فوق من التلاوة. و « بُكْرَةً وأَصِيلاً » ظرفا زمان للإملاء، والياء في « تُمْلَى » بدل من ] اللام، كقوله :« فَلْيُمْلِلِ » وقد تقدم.
فصل
المعنى : أن هذا القرآن ليس من الله، إنما هو مما سطره الأولون كأحاديث رستم واسفنديار، جمع أسطار وأسطورة كأحدوثة استنسخها محمد من أهل الكتاب ﴿ فَهِيَ تملى عَلَيْهِ ﴾ أي : تقرأ عليه ليحفظها لا ليكتبها « بُكْرَةً وأَصِيلاً » غدوة وعشيًّا.