قال أبو حيان : وقوله ليس تركيباً سائغاً بل التركيب العربي أن يقول أرادهم بأعيانهم.

فصل


وهذه الشبهة التي ذكروها في نهاية الرذالة، فقالوا :﴿ مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي فِي الأسواق ﴾ يلتمس المعاش كما نلتمس فمن أين له الفضل علينا؟ وكيف يمتاز عنّا بالنبوة، وهو مثلنا في هذه الأمور.
وقالوا :﴿ لولاا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ ﴾ هلاّ أنزل إليه ملك ﴿ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ﴾ يصدقه ويشهد له، ويرد على من خالفه. ﴿ أَوْ يلقى إِلَيْهِ كَنْزٌ ﴾ من السماء، فينفعه ولا يحتاج إلى تردد لطلب المعاش، وكانوا يقولون له : لستَ أنتَ بملك، لأنك تأكل والملك لا يأكل، ولست بملك؛ لأن الملك لا يتسوق، وأنت تتسوق وتتبذل. وما قالوه فاسد؛ لأن أكله الطعام لكونه آدمياً، ومشيه في الأسواق لتواضعه، وكان ذلك صفة له. وقالوا :﴿ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ﴾، والمعنى : إن لم يكن له كنز فلا أقلّ أن يكون كواحد من الدهاقين، فيكون له بستان يأكل منه ﴿ وَقَالَ الظالمون إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً ﴾ مخدوعاً، وقيل : مصروفاً عن الحق. وتقدمت هذه القصة في آخرِ بني إسرائيل. ثم أجابهم الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله :﴿ انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال ﴾ يعني الأشباه فضلوا عن الحق ﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ﴾ إلى الهدى ومخرجاً عن الضلالة.
وبيان وجه الجواب كأنه تعالى قال : انظر كيف اشتغل القوم بضرب هذه الأمثال التي لا فائدة فيها : لأجل أنهم لما ضلوا وأرادوا القدح في نبوَّتِك لم يجدوا إلى القدح فيه سبيلاً البتّة، إذ الطعن عليه إنما يكون بما يقدح في المعجزات التي ادعاها لا بهذا الجنس من القول.


الصفحة التالية
Icon