قوله تعالى :﴿ تَبَارَكَ الذي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلك ﴾ الآية وهذا هو الجواب الثاني عن تلك الشبهة، أي : تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ الذي قالوا، وأفضل من الكنز والبستان الذي ذكروا، أي : أنه قادر على أن يعطي الرسول كل ما ذكروه، ولكنه تعالى يعطي عباده بحسب المصالح، أو على وفق المشيئة، ولا اعتراض لأحد عليه في شيء من أفعاله.
قال ابن عباس :﴿ خَيْراً مِّن ذلك ﴾ أي : مما عيَّروك بفقد الجنة الواحدة، وهو سبحانه قادر على أن يعطيك جنات كثيرة. وقال في رواية عكرمة :﴿ خَيْراً مِّن ذلك ﴾ أي : من المشي في الأسواق وابتغاء المعاش.
وقوله :« إِنْ شَاءَ » معناه : أنه تعالى قادرٌ على ذلك لا أنه شاكٌّ، لأن الشك لا يجوز على الله تعالى. وقيل :« إِنْ » ههنا بمعنى ( قَدْ )، أي : قد جعلنا لك في الآخرة جنات ومساكن، وإنما أدخل ( إن ) تنبيهاً للعبادة على أنه لا ينال ذلك إلا برحمته، وأنه معلق على محض مشيئته، وليس لأحد من العباد حق على الله لا في الدنيا ولا في الآخرة.
قوله :« جَنَّاتٍ ». يجوز أن يكون بدلاً من « خَيْراً » وأن يكون عطف بيان لذلك الخير عند من يجوزه في النكرات، وأن يكون منصوباً بإضمار أعني. و ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ صفة.
قوله :« وَيَجْعَل لَكَ » قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر برفع « يَجْعَلُ »، والباقون بإدغام لام « يَجْعَل » في لام « لك » وأما الرفع ففيه وجهان :
أحدهما : أنه مستأنف.
والثاني : أنه معطوف على جواب الشرط. قال الزمخشري : لأن الشرط إذا وقع ماضياً جاز في جوابه الجزم والرفع، كقوله :
٣٨٦٣- وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ | يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ |
أحدهما : أن سكون اللام للجزم عطفاً على محل ( جعل ) ؛ لأنه جواب الشرط.
والثاني : أنه مرفوع، وإنما سكن لأجل الإدغام. قاله الزمخشري وغيره. وفيه نظر من حيث إن من جملة من قرأ بذلك وهو نافع والأخوان وحفص ليس من أصولهم الإدغام حتى يدعى لهم في هذا المكان. نعم أبو عمرو أصله الإدغام وهو يقر هنا بسكون اللام فيحتمل ذلك على قراءته، وهذا من محاسن علم النحو والقراءات معاً وقال الواحدي : وبين القراءتين فرق في المعنى، فمن جزم فالمعنى : إن شاء يجعل لك قصوراً في الدنيا، ولا يحسن الوقف على « الأَنْهَارُ » ومن رفع حسن الوقف ( على « الأَنْهَار » ) واستأنف ﴿ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً ﴾ في الآخرة.