٣٨٧١- قَالَتْ وَفِيهَا حَيْدَةٌ وذُعْرُ... عَوْذٌ بِرَبِّي مِنْكُم وَحُجْرُ... وهذا الذي أنشده الزمخشري يقتضي تصرُّف « حِجْراً ». وقد تقدم نص سيبويه على أنه يلتزم النصب. وحكى أبو البقاء فيه لغةً ثالثةً وهي الفتح، قال : وقد قرئ بها. فعلى هذا كمل فيه ثلاثة لغاتٍ مقروء بهنَّ.
و « مَحْجُوراً » صفة مؤكدة للمعنى كقولهم : ذيل ذائل، والذيل : الهوان، ومَوْتٌ مَائِتٌ، والحِجْرُ : العقل، لأنه يمنع صاحبه.

فصل


قوله :﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ الملائكة ﴾ عند الموت. قاله ابن عباس، وقال الباقون : يريد يوم القيامة ﴿ لاَ بشرى يَوْمَئِذٍ ﴾ للكافرين. قالت المعتزلة : الآية تدلّ على القطع بوعيد الفساق وعدم العفو، قوله :« لاَ بُشْرَى... لِلْمُجْرِمِينَ » نكرة في سياق النفي فتعمّ جميع أنواع البشر في جميع الأوقات، بدليل أن من أراد تكذيب هذه القضية قال : بل له بُشْرَى في الوقت الفلاني، فلما كان ثبوت البشرى في وقت من الأوقات يذكر لتكذيب هذه القضية، علمنا أن قوله :« لاَ بُشْرَى » يقتضي نفي جميع البشرى في كل الأوقات، وشفاعة الرسول لهم من أعظم البشرى فوجب أن لا يثبت ذلك لأحد من المجرمين، والكلام على التمسك بصيغ العموم، وقد تقدم مراراً.

فصل


اختلفوا في القائلين « حِجْراً مَحْجُوراً » : فقال ابن جريج : كانت العرب إذا نزلت بهم شدة، ورأوا ما يكرهون، قالوا :« حِجْراً مَحْجُوراً »، فهم يقولونه إذا عاينوا الملائكة.
قال مجاهد : يعني : عوذاً مَعَاذاً، فيستعيذون به من الملائكة.
وقال ابن عباس : تقول الملائكة : حراماً محرماً أن يدخل الجنة إلا من قال : لا إله إلا الله. قال مقاتل : إذا خرج الكفار من قبورهم قالت لهم الملائكة « حِجْراً مَحْجُوراً » أي : حرام محرم عليكم أن تكون لكم البشرى.
قوله :﴿ وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ ﴾ أي : وعمدنا إلى عملهم.
قوله :﴿ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً ﴾. الهَبَاءُ والهَبْوَةُ : التراب الدقيق. قاله ابن عرفة.
قال الجوهري : يقال فيه : هَبَا يَهْبُو : إذا ارتفع، وأَهْبَبْتُهُ أَنَا إِهْبَاءً.
وقال الخليل والزجاج : هو مثل الغبار الداخل في الكوَّة يتراءى مع ضوء الشمس فلا يمس بالأيدي ولا يرى في الظل. وهو قول الحسن وعكرمة ومجاهد.
وقيل : الهَبَاءُ ما تطاير من شرر النَّار إذا أُضْرِمَتْ، والواحدة هباءة على حد تَمْر وتَمْرَة. و « مَنْثُوراً » أي : مفرَّقاً، نثرت الشيء فرَّقته. والنَّثْرَةُ لنجوم متفرقة. والنَّثْرُ : الكلام غير المنظوم على المقابلة بالشعر.
قال ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير : هو ما تسفيه الرياح، وتذريه من التراب، ( وحطام الشجر ).
وقال مقاتل : هو ما يسطع من حوافر الدواب عند السير.
وفائدة الوصف به أنَّ الهَبَاءَ تراه منتظماً مع الضوء، فإذا حرّكته تفرَّق، فجيء بهذه الصفة لتفيد ذلك.


الصفحة التالية
Icon