وقرأ أُبيّ « وَنُزِّلَتْ » بالتشديد مبنيًّا للمفعول، « وَتُنُزِّلَتْ » بزيادة تاء في أوله، وتاء التأنيث ( فيهما ).
وقرأ أبو عمرو في طريقة الخفاف عنه « وَنُزِلَ » بضم النون وكسر الزاي خفيفة مبنيًّا للمفعول. قال صاحب اللوامح : فإن صحت هذه القراءة فإنه حذف منها المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، تقديره : ونُزِلَ نُزُول الملائكة، فحذف النزول ونقل إعرابه إلى « المَلاَئِكَة » بمعنى : نَزَلَ نَازِلُ الملائكة، لأنَّ المصدر يجيء بمعنى الاسم، وهذا مما يجيء على مذهب سيبويه ترتيب بناء اللازم للمفعول به، لأنَّ الفعل يدل على مصدره. قال شهاب الدين : وهذا تمحُّلٌ كثير دعت إليه ضرورة الصناعة. وقال ابن جني : وهذا غير معروف، لأنَّ ( نَزَلَ ) لا يتعدى إلى مفعول فيبنى هنا للملائكة، ووجهه أن يكون مثل زكم الرَّجُلُ وجنَّ، فإنه لا يقال إلا أزكمه، وأجنّه الله، وهذا باب سماع لا قياس. ونظير هذه القراءة ما تقدم في سورة الكهف في قراءة من قرأ ﴿ فَلاَ يَقُومُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْناً ﴾ بنصب الوزن من حيث تعدية القاصر، وتقدم ما فيها.

فصل


الغَمَامُ : هو الأبيض الرقيق مثل الضباب، ولم يكن إلاَّ لبني إسرائيل في تيههم. والألف واللام في « الغمام » ليس للعموم بل للمعهود، وهو ما ذكره في قوله :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام ﴾ [ البقرة : ٢١٠ ] قال ابن عباس : تتشقق سماء الدنيا فينزل أهلها، وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس، [ ثم تشقق السماء ثانية، فينزل أهلها وهم أكثر ممن في السماء الدنيا ومن الجن والإنس ] ثم كذلك حتى تشقق السماء السابعة وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي قبلها، ثم ينزل الكَرُوبِيُّون، ثم حملة العرش.
فإن قيل : ثبت بالقياس أن نسبة الأرض إلى سماء الدنيا كحلقة في فلاة، فكيف بالقياس إلى الكرسي والعرش، فملائكة هذه المواضع ( بأسرها، فكيف تتسع الأرض لكل هؤلاء ) ؟
فالجواب : قال بعض المفسرين : الملائكة يكونون في الغمام، والغمام يكون ) مقرّ الملائكة.
قوله :« المُلْكُ يَوْمَئذٍ » فيها أوجه :
أحدها : أن يكون « المُلْكُ » مبتدأ والخبر « الحَقُّ » و « يَوْمَئِذٍ » متعلق ب « الملك »، و « للرَّحْمَنِ » متعلق ب « الحَقّ »، أو بمحذوف على التبيين، أو بمحذوف على أنه صفة للحق.
الثاني : أنَّ الخبر « يَوْمَئِذٍ »، و « الحَقُّ » نعت للملك، [ و « للرحمن » على ما تقدم ].
[ الثالث : أنَّ الخبر « للرَّحْمَن » و « يَوْمَئِذٍ » متعلق ب « الملك »، و « الحَقُّ » نعت للملك ].
قيل : ويجوز نصب الحق بإضمار ( أَعْنِي ).


الصفحة التالية
Icon