فصل
المعنى : أَنَّ الملك الذي هو الملك حقاً ملك الرحمن يوم القيامة.
قال ابن عباس : يريد أَنَّ يوم القيامة لا ملك يقضي غيره. ومعنى وصفه بكونه حقاً : أنه لا يزول ولا يتغير. فإن قيل : مثل هذا الملك لم يكن قط إلا للرحمن، فما الفائدة في قوله :« يَوْمَئِذٍ » ؟. فالجواب لأَنّ في ذلك اليوم لا مالك له سواه لا في الصورة، ولا في المعنى، فتخضع له الملوك وتعنو له الوجوه، وتذل له الجبابرة بخلاف سائر الأيام. ﴿ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الكافرين عَسِيراً ﴾ أي : شديداً، وهذا الخطاب يدلُّ على أنه لا يكون على المؤمنين عسيراً؛ جاء في الحديث « أنه يهوّن يوم القيامة على المؤمن حتى يكون أَخَفَّ عليه من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا » قوله :﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم ﴾ يَوْمَ معمول لمحذوف، أو معطوف على « يَوْمَ تَشَقَّقُ ». و « يَعضُّ » مضارع عَضَّ، ووزنه فَعِل بكسر العين بدليل قولهم : عَضِضْتُ أَعَضُّ. وحكى الكسائي فتحها في الماضي، فعلى هذا يقال : أَعِضُّ بالكسر في المضارع. والعَضُّ هنا كناية عن شدة الندم، ومثله : حَرَقَ نَابَهُ، قال :
٣٨٧٣- أَبى الضَّيْم والنُّعْمَان يَحْرِقُ نَابَهُ | عَلَيْهِ فَأَفْضَى والسّيُوفُ مَعَاقِلُه |
فصل
( أل ) في « الظَّالم » تحتمل العهد والجنس على خلاف في ذلك. فالقائلون بالعهد اختلفوا على قولين :
الأول : قال ابن عباس :« أراد بالظالم : عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس، كان لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً، ودعا إليه جيرته وأشراف قومه، وكان يكثر مجالسة النبي - ﷺ - ويعجبه حديثه، فقدم ذات يوم من سفر، فصنع طعاماً، ودعا الناس، ودعا الرسول، فلما قرب الطعام قال رسول الله - ﷺ - » ما أنا بآكل طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله « فقال عقبة : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أَنّ محمداً رسول الله، فأكل الرسول من طعامه، وكان عقبة صديقاً لأبيّ بن خلف، فلما أتى أُبي بن خلف قال له : يا عقبة صبأت، قال : لا والله ما صبأت، ولكن دخل عليّ فأبَى أن يأكل طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت له، فطعم. فقال : ما أنا بالذي أرضى منك أبداً إلا أن تأتيه وتبزق في وجهه، وتطأ على عنقه، ففعل ذلك عقبة، فقال عليه السلام : لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوتك بالسيف »، فقتل عقبة يوم بدر صبراً، وأما أبيّ بن خلف فقتله النبي - ﷺ - بيده يوم أحد.
قال الضحاك : لما بزق عقبةُ في وجه رسول الله - ﷺ - عاد بزاقه في وجهه، فاحترق خداه، فكان أثر ذلك فيه حتى الموت.