قوله تعالى :﴿ مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ ﴾ الآية. وهذه الآية كالتنبيه على الردّ على الكفار الذين يقولون : الملائكة بنات الله. وقوله :﴿ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ ﴾ ردّ على اتخاذهم الأصنام آلهة، ويحتمل أن يريد به إبطال قول النصارى والثنوية.
ثم إنه تعالى ذكر الدليل بقوله :﴿ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ ﴾ أي : لانفرد كل واحد من الآلهة بما خلقه، ولم يرض أن يضاف خلقه إلى غيره، ومنع الإله الآخر عن الاستيلاء على ما خلق ﴿ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ ﴾ أي : طلب بعضهم مغالبة بعض كفعل ملوك الدنيا فيما بينهم، وحين لم تروا ذلك فاعلموا أنه إله واحد.
قوله :« إذاً » جواب وجزاء، قال الزمخشري : فإن قلت :« إذاً » لا تدخل إلاَّ على كلام هو جواب وجزاء، فكيف وقع قوله :« لَذَهَبَ » جواباً وجزاءً ولم يتقدّم شرط ولا سؤال سائل قُلْتُ : الشرط محذوف تقديره : لَوَ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ، حذف لدلالة ﴿ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ ﴾.
وهذا رأي الفراء، وقد تقدّم في الإسراء في قوله :﴿ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٧٣ ] ثم إنه تعالى نَزّه نفسه فقال :﴿ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ من إثبات الولد والشريك.
قرئ :« تَصِفُونَ » بتاء الخطاب وهو التفات.
قوله :« عَالِمُ الغَيْبِ » قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم : بالجر على البدل من الجلالة. وقال الزمخشري : صفة لله. كأنه محض الإضافة فتعرف المضاف.
والباقون : بالرفع على القطع خبر مبتدأ محذوف.
ومعنى الآية : أنه مختص بعلم الغيب والشهادة، فغيره وإن علم الشهادة لكن لم يعلم الغيب، لأن الشهادة لا يتكامل بها النفع إلا مع العلم بالغيب وذلك كالوعيد لهم فلذلك قال :( « فَتَعَالَى اللَّهُ ) عَمَّا يُشْرِكُونَ ».
قوله :« فَتَعَالَى » عطف على معنى ما تقدم، كأنّه قال علم الغيب فتَعَالَى كقولك : زيد شجاع فعظمت منزلته أي : شجع فعظمت. أو يكون على إضمار القول، أي : أقول فتعالى الله. قوله :﴿ قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ ﴾ أي : ما أوعدتهم من العذاب قرأ العامة « تُرِيَنِّي » بصريح الياء. والضحاك :« تُرِئَنِّي » بالهمز عوض الياء، وهذا كقراءة :« فَإِمَّا تَرِئَنَّ » « لتَرؤُنَّ » بالهمز، وهو بدل شاذ.
قوله :﴿ رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي ﴾ جواب الشرط، و « رَبِّ » نداء معترض بين الشرط وجزائه، وذكر الربّ مرتين مرة قبل الشرط ومرة قبل الجزاء مبالغة في التضرع.
فإن قيل : كيف يجوز أن يجعل الله نبيه مع الظالمين حتى يطلب أن لا يجعله معهم؟
فالجواب : يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله، وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله إظهاراً للعبودية وتواضعاً لربه.


الصفحة التالية
Icon