والجواب قد تقدم مراراً.
قوله تعالى :﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً ﴾ رسولاً ينذرهم، والمراد من ذلك تعظيم النبي - ﷺ - من وجوه :
أحدها : أنه تعالى بين أنه مع القدرة على بعثه نذيراً ورسولاً في كل قرية خصه بالرسالة وفضّله بها على الكل، ولذلك أتبعه بقوله :﴿ فَلاَ تُطِعِ الكافرين ﴾ أي : لا توافقهم.
وثانيها : المراد : ولو شئنا لخففنا عنك أعباء الرسالة إلى كل العالمين و ﴿ لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً ﴾ ولكنا قصرنا الأمر عليك وأجللناك وفضلناك على سائر الرسل، فقابل هذا الإجلال بالتشدُّد في الدين.
وثالثها : أن الآية تقتضي مزج اللطف بالعنف، لأنها تدل على القدرة على أن يبعث في كل قرية نذيراً مثل محمد، وأنه لا حاجة بالحضرة الإلهية إلى محمد البتة.
وقوله :« ولَوْ شِئْنَا » يدل على أنه تعالى لا يفعل ذلك. والمعنى : ولكن بعثناك إلى القُرَى كلها وحمَّلناك ثقل نذارة جميعها لتستوجب بصبرك عليه ما أعتدنا لك من الكرامة والدرجة الرفيعة. ﴿ فَلاَ تُطِعِ الكافرين ﴾ فيما يدعونك إليه من موافقتهم وهذا يدل على أن النهي عن الشيء لا يقتضي كون المنهي عنه مشتغلاً به.
قوله :« وَجَاهِدْهُمْ بِهِ » أي : بالقرآن، أو بترك الطاعة المدلول عليه بقوله :« فَلاَ تُطِع »، أو بما دل عليه ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً ﴾ من كونه نذير كافة القرى، أو بالسيف.
والأقرب الأول؛ لأن السورة مكية، والأمر بالقتال ورد بعد الهجرة بزمان، فالمراد بذل الجهد في الدعاء جهاداً كبيراً شديداً.