قوله تعالى :﴿ تَبَارَكَ الذي جَعَلَ فِي السمآء بُرُوجاً ﴾ الآية.
لما حكى مزيد نفور الكفار عن السجود، وذكر ما لو تفكروا فيه لعرفوا وجوب السجود والعبادة للرحمن فقال :﴿ تَبَارَكَ الذي جَعَلَ فِي السمآء بُرُوجاً ﴾ تقدم القول في « تَبَارَكَ »، قال الحسن ومجاهد وقتادة ورواية عن ابن عباس البروج هي النجوم الكبار سميت بروجاً لظهورها، لأن اشتقاق البرج من التبرج وهو الظهور.
وقال عطية العوفي : البروج هي القصور العالية، لأنها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها، وهذا أولى لقوله تعالى :﴿ وَجَعَلَ فِيهَا ﴾ أي : في البروج فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون قوله « فيها » راجعاً إلى السماء دون البروج؟
فالجواب : لأن البروج أقرب، فعود الضمير إليها أولى.
وروى عطاء عن ابن عباس : هي البروج الاثنا عشر.
قوله :﴿ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً ﴾. قرأ الجمهور بالإفراد، والمراد به الشمس لقوله تعالى :﴿ وَجَعَلَ الشمس سِرَاجاً ﴾ [ نوح : ١٦ ]، ويؤيده أيضاً ذكر القمر بعده. والأخوان « سُرُجاً » بضمتين جمعاً نحو حُمُر في حِمَار، وجمع باعتبار الكواكب النيرات، وإنما ذكر القمر تشريفاً له كقوله :﴿ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ﴾ [ البقرة : ٩٨ ] بعد انتظامهما في الملائكة. وقرأ الأعمش والنخعي وعاصم في رواية عصمة « وقُمْراً » بضمة وسكون وهو جمع قَمْراء كحُمْر في حَمْرَاء، والمعنى : وذا ليال قمر منيراً، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ثم التفت إلى المضاف بعد حذفه فوصفه تمييزاً، ولو لم يعتبره لقال : منيرة، ونظير مراعاته بعد حذفه قول حسان :
٣٨٨١- يَسْقُونَ مَنْ وَرَدَ البَرِيصَ عَلَيْهِمْ | بَرَدَى يُصَفَّقُ بِالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ |
٣٨٨٢- وَلاَ أَرْضَ أَبْقَلَ إبْقَالَها | مع أن ابن كيسان يجيزه سعة. |
قوله تعالى :﴿ وَهُوَ الذي جَعَلَ الليل والنهار خِلْفَةً ﴾ الآية.
في « خِلْفَةً » وجهان : أحدهما : أنه مفعول ثان. والثاني : أنه حال بحسب القولين في « جعل ». و « خلفة » يجوز أن تكون مصدراً من خلفه يخلفه إذا جاء مكانه، وأن يكون اسم هيئة منه كالرّكبة، وأن يكون من الاختلاف.
كقوله :
٣٨٨٣- وَلَهَا بِالمَاطِرُونِ إذَا | أَكَلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَعَا |
خِلْفَةً حَتَّى إذَا ارْتَبَعتْ | سَكَنَتْ مِنْ جِلَّقٍ بِيَعَا |
في بُيُوتٍ وَسْطَ دَسْكرةٍ | حَوْلَهَا الزَّيْتُونُ قَدْ يَنَعَا |
٣٨٨٤- بِهَا العِيْنُ والآرامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً... وأفرد « خِلْفَةً » قال أبو البقاء : لأن المعنى يخلف أحدهما الآخر، فلا يتحقق هذا إلا منهما.
قال ابن عباس : جعل كل واحد منهما يخلف صاحبه فيما يحتاج أن يعمل فيه، فمن فرط في عمل في أحدهما قضاه في الآخر، جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال فاتتني الصلاة الليلة فقال : أدرك ما فاتتك من ليلتك في نهارك فإن الله تعالى جعل الليل والنهار خلفة.