قوله تعالى :﴿ وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ ﴾ ﴿ عِبَادُ الرحمن ﴾ رفع بالابتداء، وفي خبره وجهان :
أحدهما : الجملة الأخيرة في آخر السورة « أُولَئِكَ يُجْزَونَ »، وبه بدأ الزمخشري و « الَّذِينَ يَمْشُونَ » وما بعده صفات للمبتدأ.
والثاني : أن الخبر « يَمْشُونَ ». والعامة على « عِبَادِ »، [ واليمانيّ بضم العين وتشديد الباء جمع عابد، والحسن « عُبُد » بضمتين.
والعامة « يَمْشُون » بالتخفيف مبنياً للفاعل ]، واليماني والسلمي بالتشديد مبنياً للمفعول.
فصل
هذه الإضافة للتخصيص والتفضيل وإلا فالخلق كلهم عباد الله.
قوله :« هَوْناً » إما نعت مصدر، أي : مشياً هوناً، وأما حال أي : هَيِّنينَ، والهون : اللين والرفق، أي يمشون بالسكينة والوقار متواضعين، ولا يضربون بأقدامهم أشراً وبطراً ولا يتبخترون خيلاء. وقال الحسن : علماء حكماء.
وقال محمد ابن الحنفية : أصحاب وقار وعفّة لا يسفهون وإن سفه عليهم حلموا ﴿ وإذا خاطبهم الجاهلون ﴾ يعني السفهاء بما يكرهونه « قَالُوا سَلاَماً ». قال مقاتل : قولاً يسلمون فيه من الإثم. وقيل : المعنى : لا نجاهلكم. وقيل : المراد حلمهم في مقابلة الجهل. وقال الأصم :« قَالُوا سَلاَماً » أي : سلام توديع لا محبة، كقول إبراهيم - عليه السلام - لأبيه :« سَلاَمٌ عَلَيْكَ ».
قال الكلبي وأبو العالية : نسختها آية القتال.
قوله :« سَلاَماً » يجوز أن ينتصب على المصدر بفعل مقدر أي : نسلم سلاماً أو نسلم تسليماً منكم لا نجاهلكم فأقيم السلام مقام التسليم، ويجوز أن ينتصب على المفعول به، أي : قالوا هذا اللفظ، قال الزمخشري : أي قالوا سداداً من القول يسلمون فيه من الأذى، والمراد سلامتهم من السفه، كقوله :
٣٨٨٥- أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا | فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا |
قوله :﴿ وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً ﴾. لما ذكر وصفهم بالنهار من وجهين :
أحدهما : ترك الإيذاء بقوله :﴿ يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً ﴾.
والثاني : تحمل الإيذاء بقوله :﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً ﴾ شرح صفتهم في الليل. قال الزجاج : كل من أدركه الليل قيل : بات وإن لم ينم كما يقال : بات فلان قلقاً. والمعنى يبيتون لربهم سجداً على وجوههم، وقياماً على أقدامهم قال ابن عباس : من صلى بعد العشاء ركعتين فقد بات ساجداً وقائماً. وروى عثمان بن عفان قال : قال رسول الله - ﷺ - :« من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة ».
قوله :« سُجَّداً » خبر « يَبِيتُون »، ويضعف أن تكون تامة.