أي : دخلوا في البيات، و « سُجَّداً » حال و « لِرَبِّهِمْ » متعلق ب « سُجَّداً ». وقدم السجود على القيام وإن كان بعده في الفعل، لاتفاق الفواصل. و « سُجَّداً » جمع ساجد كضُرَّاب في ضارب.
وقرأ أبو البرهسيم « سُجُوداً » بزنة قعود، ويبيت هي اللغة الفاشية، وأزد السَّراة وبجيلة يقولون : يبات، وهي لغة العوام اليوم.
قوله :﴿ والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا اصرف عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ﴾. قال ابن عباس : يقولون في سجودهم وقيامهم هذا القول.
قوله :« غَرَاماً » أي : لازماً دائماً، وعن الحسن : كل غريم يفارق غريمه إلاّ غريم جهنم. وأنشد بشر بن أبي خازم :
٣٨٨٦- وَيَومَ النِّسَار وَيَوْمَ الجِفَا | رِ كَانَا عَذَاباً وَكَانَ غرَاما |
٣٨٨٧- إن يُعَاقِبْ يَكُنْ غَرَاماً وإن يُعْ | طِ جَزِيلاً فإنَّهُ لاَ يُبَالِي |
قوله :﴿ إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ﴾. يجوز أن تكون « ساءت » بمعنى أحزنت، فتكون متصرفة ناصبة المفعول، وهو هنا محذوف، أي : أنها يعني جهنم أحزنت صحابها و « مُسْتَقرًّا » يجوز أن تكون تمييزاً وأن تكون حالاً.
ويجوز أن تكون « سَاءَتْ » بمعنى بئست، فتعطي حكمها، ويكون المخصوص بالذم محذوفاً، وفي « ساءت » ضمير مبهم يفسره مستقر و « مستقراً » يتعين أن يكون تمييزاً، أي : سَاءَتْ هي، فهي مخصوص وهو الرابط بين هذه الجملة وبين مَا وَقَعَتْ خبراً عنه، وهو « إنَّها كذا قدَّره أبو حيان، وقال أبو البقاء :» مُسْتَقَرًّا « تمييز، و » سَاءَتْ « بمعنى بئْسَ. فإن قيل : يلزم من هذا إشكال، وذلك أنه يلزم تأنيث فعل الفاعل المذكَّر من غير مسوِّغ لذلك، فإنَّ الفاعل في » سَاءَتْ « على هذا يكون ضميراً عائداً على ما بعده، وهو » مُسْتَقَرًّا وَمُقَاماً «، وهما مذكران، فن أين جاء التأنيث؟
والجواب : أن المستقرَّ عبارة عن جهنَّم فلذلك جاز تأنيث فعله، ومثله قوله :
٣٨٨٨- أَوْ حُرَّةٌ عَيْطَلٌ ثَيْجَاءَ مُجْفَرَةٍ | دَعَائِمَ الزَّوْرِ نِعْمَتْ زَوْرَقُ البَلَدِ |
فالجواب : قال المتكلمون : عقاب الكافر يجب أن يكون مضرّة خالصة عن شوائب النفع ( دائمة، فقوله :﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ﴾ إشارة إلى كونه مضرّة خالصة عن شوائب النفع ) وقوله :﴿ إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ﴾ إشارة إلى كونه دائماً، فحصلت المغايرة.