قوله :﴿ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ﴾ الآيات. لما آمنوا بأجمعهم لم يأمن فرعون أن يقول قومه : إن هؤلاء السحرة على كثرتهم وبصيرتهم لم يؤمنوا إلا عن معرفة بصحة أمر موسى - عليه السلام - فيسلكون طريقهم، فلبَّس على القوم وبالغ في التنفير عن موسى من وجوه :
أحدها : قوله :﴿ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ﴾. والمعنى : إن مسارعتكم إلى الإيمان به دالة على ميلكم إليه فتطرَّق التهمة إليهم فلعلهم قصروا في السحر حياله.
وثانيها : قوله :﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر ﴾ هذا تصريح بما رمز به أولاً، وتعريض منه بأنهم فعلوا ذلك عن مواطأة بينهم وبين موسى، وقصروا في السحر ليظهروا أمر موسى، وإلا ففي قوة السحر أن يفعلوا مثل ما فعل، وهذا شبهة قوية في تنفير من قَبِلَ.
وثالثها : قوله :« فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ » وهو وعيد وتهديد شديد.
ورابعها : قوله :﴿ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِين ﴾ وهذا الوعيد المفصل، وليس في الإهلاك أقوى منه، ثم إنهم أجابوا عن هذه الكلمات من وجهين :
الأول : قوله :﴿ لاَ ضَيْرَ إِنَّآ إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ﴾ والضير والمضرّة واحد، وليس المراد أن ذلك وقع، وإنما عنوا بالإضافة إلى ما عفروه من دار الجزاء.
والجواب الثاني : قوله :﴿ إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ ﴾ وهو إشارة منهم إلى الكفر والسحر وغيرهما. والطمع في هذا الموضع يحتمل اليقين، كقول إبراهيم - عليه السلام - :« وَالَّذِي أَطْمَعُ ». ويحتمل الظن، لأن المرء لا يعلم ما سيختاره من بعد. قوله :« أَنْ كُنَّا ». قرأ العامة بفتح « أَنْ » أي : لأن كُنَّا بينوا القول بالإيمان وقرأ أبان بن تغلب وأبو معاذ بكسر الهمزة، وفيه وجهان :
أحدهما : أنها شرطية، والجواب محذوف لفهم المعنى، أو متقدم عند من يجيزه.
نظيره قول القائل :« إنْ كُنْتُ عملتُ فوفِّنِي حَقِّي » مقولة لمن يؤخر جعله.
والثاني : أنها المخففة من الثقيلة، واستغني عن اللام الفارقة لإرشاد المعنى إلى الثبوت دون النص كقوله :
٣٩٠٢ - وَإِنْ مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامٌ المَعَادِنِ... وفي الحديث :« إن كان رسول ( الله - ﷺ ) - يحبُّ العسل » أي : ليحبُّه.
والمعنى على الأول : لأن كنا أول المؤمنين، من الجماعة الذين حضروا ذلك الموقف، أو يكون المراد : من السحرة خاصة، أو من رعية فرعون، أو من أهل زمانهم.


الصفحة التالية
Icon