قوله :﴿ وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَسْرِ بعبادي ﴾. قرىء « أَسْرِ » بقطع الهمزة ووصلها.
لما ظهر من أمر موسى - عليه السلام - ما شاهدوه أمره الله أن يخرج ببني إسرائيل، لما كان في المعلوم من تدبير الله وتخليصه من القوم وتمليكه بلادهم وأموالهم، ولم يأمن. وقد جرت تلك الغلبة الظاهرة أن يقع في فرعون ببني إسرائيل ما يؤدي إلى الاستئصال، فلذلك أمره الله تعالى أن يسري ببني إسرائيل، وهم الذين آمنوا، وكانوا من قوم موسى - عليه السلام -. واعلم أن في الكلام حذفاً، وهو أنه أسرى بهم كما امره الله تعالى، ثم إن قوم موسى قالوا لقوم فرعون :« إن لنا في هذه الليلة عيدا »، ثم استعاروا منهم حليهم بهذا السبب، ثم خرجوا بتلك الأموال في الليل إلى جانب البحر، فلما سمع فرعون ذلك أرسل في المدائن حاشرين يحشرون الناس، يعني الشُّرط ليجمعوا السحرة. وقيل : ليجمعوا له الجيش روي أنه كان له ألف مدينة واثنا عشر ألف قرية. و « حَاشِرِينَ » مفعول « أَرْسَلَ » ثم إنه قوى نفسه ونفس قومه بأن وصف قوم موسى بالذم، ووصف قوم نفسه بالمدح، أما وصفه قوم موسى - عليه السلام - بالذم، فقال :﴿ إِنَّ هؤلاء لَشِرْذِمَةٌ ﴾ [ معمول لقوم مضمر ] أي : قال : إنَّ هؤلاء، وهذا القول يجوز أن يكون حالاً، أي : أرسلهم قائلاً ذلك، ويجوز أن يكون مفسراً ل « أَرْسَلَ ». والشِّرْذِمَةُ : الطائفة من الناس وقيل : كل بقية من شيء خسيس يقال لها : شرذمة. ويقال : ثوب شراذم، أي : أخلاق، قال :
٣٩٠٣ - جَاءَ الشِّتَاءُ وَقَمِيصِي أَخْلاقْ | شَرَاذِمُ تَضْحَكُ مِنْهُ الخُلاقْ |
٣٩٠٤ - في شراذم النعال... وجمع الشرذمة : شراذم، فذكرهم بالاسم الدال على القلة، ثم جعلهم قليلاً بالوصف، ثم جمع القليل فجعل كل حزب منهم قليلاً، واختار جمع السلامة الذي هو جمع القلة.
ويجوز أن يريد بالقلة : الذلة، لا قلة العدو، أي : إنهم لقلتهم لا يبالى بهم.
قال ابن عباس : كان الشرذمة الذين قللهم فرعون ستمائة ألف مقاتل لا شاب فيهم دون عشرين سنة، ولا شيخ يوفي على الستين سوى الحشم، وفرعون يقللهم لكثرة من معه. وهذا الوصف قد استعمل في الكثير عند الإضافة إلى ما هو أكثر منه، فروي أن فرعون خرج على فرس أدهم حسان وفي عسكره على لون فرسه ثمانمائة ألف.
قوله :﴿ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ ﴾. يقال : غَاظَهُ وَأَغَظَهُ وَغَيَّظَهُ : غذا أغضبه. والغيظ، الغضب. والمعنى : أنهم يفعلون أفعالاً تغيظنا. واختلفوا في تلك الأفعال. فقل : أخذهم الحليّ وغيره. وقيل : خروجهم عن عبوديته. وقيل : خروجهم بغير إذنه، وقيل : مخالفتهم له في الدين.