وقيل : لأنهم لم يتخذوا فرعون إلهاً.
وأما وصفه قومه فهو قوله :﴿ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ﴾. قرأ الكوفيون وابن ذكوان :« حاذرون » بألف. والباقون :« حذرون » بدونها. فقال أبو عبيدة والزجاج : هما بمعنى واحد، يقال : رجل حذر وحاذر بمعنى.
وقيل : بل بينهما فرق، فالحذر : المتيقظ. والحاذر : الخائف. وقيل : الحذر : المخلوق مجبولاً على الحذر. والحاذر : ما عرض له ذلك.
وقيل : الحذر : المتسلح الذي له شوكة سلاح، وأنشد سيبويه في إعمال « حَذِر » على أنه مثال مبالغة محول من حاذر قوله :
٣٩٠٥ - حَذِرٌ أُمُوراً لاَ تَضِيرُ وَآمِنٌ... مَا لَيْسَ مُنْجِيهِ مِنَ الأَقْدَارِ
وزعم بعضهم أن سيبويه لمَّا سأله : هل يحفظ شيئاً في إعمال « فَعِل » ؟ صنع له هذا البيت، فعيب على سيبويه : كيف يأخذ الشواهد الموضوعة؟
وهذا غلط، فإن هذا الشخص قد أقر على نفسه بالكذب، فلا يقدح قوله في سيبويه. والذي ادعى انه صنع البيت هو الأخفش. و « حَذِر » يتعدى بنفسه، قال تعالى :﴿ يَحْذَرُ الآخرة ﴾ [ الزمر : ٩ ]، وقال العباس بن مرداس :
٣٩٠٦... - وَإِنِّي حَاذِرٌ أَنْمِي سِلاَحِي
إلَى أَوْصَالش ذَيَّالٍ مَنِيع... وقرأ ابن السميفع وابن أبي عمار :« حَادِرُونَ » بالدال المهملة من قولهم عين حدرة، أي : عظيمة، كقولهم :
٣٩٠٧ - وَعَيْنٌ لَهَا حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ... والمعنى : عظيماً. وقيل : الحادر : القوي الممتلىء، وحكي : رجل حادر، أي : ممتلىء غيظاً، ورجل حادر، أي : أحمق، كأنه ممتلىء من الحمق قال :
٣٩٠٨ - أُحِبُّ الغُلاَمَ السُّوءَ مِنْ أَجْلِ أُمِّه... وَأَبْغَضُهُ مِنْ بَغْضِهَا وَهْوَ حَادِرُ
ويقال أيضاً رجل [ حَدُرٌ بزنة يقط مبالغة في ( حادر ) من هذا المعنى، فصار يقال ] حَذِر وحَذُر وحَاذِرِ بالذال المعجمة والمهملة والمعنى مختلف.
واعلم أن الصفة إذا كانت جارية على الفعل وهو اسم الفاعل واسم المفعول كالضارب والمضروب أفادت الحديث. وإذا لم تكن كذلك وهي المشبهة [ أفادت الثبوت. فمن قرأ « حَذِرُونَ » ] ذهب إلى معنى أنا قوم من عادتنا الحذر واستعمال الحزم ومن قرأ :« حَاذِرُون » ذهب إلى معنى : إنا قوم ما عهدنا أن نحذر إلا عصرنا هذا. ومن قرأ :« حَادِرُون » بالدال المهملة، فكأنه ذهب إلى نفي أصلاً، لأن الحادر هو السمين، فأراد : إنا قوم أقوياء أشداء، أو أراد : إنا شاكون في السلاح. والغرض من هذه التقادير ألا يتوهم أهل المدائن أنه منكسر من قوم موسى، أو خائف منهم.
قوله :« فَأَخْرَجْنَاهُمْ ». أي : خلقنا في قلوبهم داعية الخروج، فاستلزمت الداعية الفعل، فكان الفعل مضافاً إلى الله تعالى لا محالة.
وقوله :﴿ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ ﴾ أي : أخرجناهم من بساتينهم التي فيها عيون الماء وكنوز الذهب والفضة. قال مجاهد : سماها كنوزاً، لأنه لم يعط حق الله منها، وما لم يعط الله منه فهو كنز وإن كان ظاهراً.
قوله :« وَمَقَامٍ ».