قوله تعالى :﴿ واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ... الآيات ﴾.
اعلم أنه تعالى ذكر في أول السورة شدة حزن محمد - عليه السلام - ثم ذكر قصة موسى ليعرِّف محمداً أن مثل تلك المحنة كانت حاصلة لموسى، ثم ذكر عقيبها قصة إبراهيم ليعرف محمد أن حزن إبراهيم بهذا السبب كان أشد من حزنه.
قوله :« إذْ قَالَ » العالم في « إِذْ » « نَبأَ » أو « اْتلُ » قاله الحوفي وهذا لا يتأتى إلا على كون « إذْ » مفعولاً به. وقيل :« إذ » بدل من « نبأ » بدا اشتمال، وهو يؤول إلى أن العامل فيه « اتْلُ » بالتأويل المذكور.
قوله :« وَقَوْمِهِ » الهاء تعود على إبراهيم، لأنه المحدث عنه.
وقيل : تعود على « أَبِيهِ » لأن أقرب مذكور، أي : قال لأبيه وقوم أبيه، ويؤيده ﴿ إني أَرَاكَ وَقَوْمَكَ ﴾ [ الأنعام : ٧٤ ] حيث أضاف القوم إليه.
قوله « مَا تَعْبُدُونَ » أي : أيّ شيء تعبدون؟ وهو يعلم أنهم عبدة الأصنام، ولكنه سألهم ليريهم أن ما يعبدونه لا يستحق العبادة، كما تقول ( لتاجر الرقيق ) : ما مالك؟ وأنت تعلم أن ماله الرقيق، ثم تقول : الرقيق جمال وليس بمال.
قوله :« نَعْبُدُ أَصْنَاماً » أتوا في الجواب بالتصريح بالفعل ليعطفوا عليه قولهم :« فَنَظَلُّ » افتخاراً بذلك، وإلاَّ فكان قولهم :« نَعْبُدُ أَصْنَاماً » كافياً كقوله تعالى :« قُلِ العَفْوَ »، « قَالُوا خَيْراً ».
قوله :﴿ فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ﴾. العكوف : الإقامة على الشيء. قال بعض العلماء : إنما قالوا :( فَنَظَلُّ ) لأنهم يعبدونها بالنهار دون الليل، يقال : ظل يفعل كذا : إذا فعل بالنهار. فقال إبراهيم - عليه السلام - منبهاً على فساد مذهبهم :« هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ » لا بد من محذوف، أي : يسمعون دعاءكم، أو يسمعونكم تدعون، فعلى الأول هي متعدية لواحد اتفاقاً. وعلى الثاني هي متعدية لاثنين قامت الجملة المقدرة مقام الثاني، وهو قول الفارسي.
وعند غيره : الجملة المقدرة حال. وتقدم تحقيق القولين.
وقرأ قتادة ويحيى بن يعمر بضم الياء وكسر الميم، والمفعول الثاني : محذوف، أي : يسمعونكم الجواب.
قوله :« إذْ تَدْعُونَ » منصوب بما قبله، فما قبله وما بعده ماضيان معنى وإن كانا مستقبلين لفظاً لعمل الأول في « إذْ » ولعمل « إذْ » في الثاني.
وقال بعضهم :« إذ » هنا بمعنى :« إذا » وقال الزمخشري : إنه على حكاية الحال الماضية، معناه : استحضروا الأحوال التي كنتم تدعونها فيها، هل سمعوكم إذا سمعوا؟ وهو أبلغ في التبكيت، وقد تقدم أنه قرىء بإدغام ذال « إذْ » وأظهارها في التاء. وقال ابن عطية : ويجوز فيه قياس « مذكر » ونحوه، ولم يقرأ به أحد، والقياس أن يكون اللفظ به « إدَّدْعون » والذي منع من هذا اللفظ اتصال الدال الأصلية في الفعل فكثرت المتماثلات، يعني : فيكون اللفظ بدال مشددة مهملة، ثم بدال ساكنة مهملة أيضاً.