قال أبو حيان : وهذا لا يجوز، لأن هذا الإبدال إنما هو في تاء الافتعال بعد الدال والذال والزاي نحو : ادَّهَن، واذّكر، وازْدَجَر، وبعد جيم شذوذاً نحو :« اجْدَمعوا » في « اجتمعوا »، وفي تاء الضمير بعد الدال والزاي نحو :« فُزْدَ في فُزْتَ » و « جَلَدُّ في جَلَدْتُ » أو تاء « تَوْلَج » قالوا فيها :« دَوْلَج » وتاء المضارعة، ليس شيئاً مما ذكر وقوله :« والذي منع... إلى آخره » يقتضي جوازه لو لم يوجد ما ذكر، فعلى مقتضى قوله يجوز أن تقول في « إذْ تَخْرُج » :« إذَّ خْرُج » ولا يقول ذلك أحد، بل يقولون : اتّخرج فيدغمون الذال في التاء.

فصل


تقرير هذه الحجة التي ذكرها إبراهيم - عليه السلام - أن من عبد غيره لا بد أن يلتجىء إليه في المسألة ليعرف مراده أو يسمع دعاءه، ثم يستجيب له في بذل منفعة أو دفع مضرة، فقال لهم : إذا كان الذي تعبدونه لا يسمع دعاءكم حتى يعرف مقصودكم، ولو عرف ذلك لما صح أن يبذل النفع أو يدفع الضرر، فكيف تعبدون ما هذا صفته؟ فعند هذه الحجة الباهرة لم يجدوا ما يدفعون به حجته إلا التقليد، فقالوا :﴿ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾.
وهذا من أقوى الدلائل على فساد التقليد ووجوب التمسك بالاستدلال، إذ لو قلبنا الأمر فمدحنا التقليد وذممنا الاستدلال لكان ذلك مدحاً لطريقة الكفار التي ذمها الله، وذماً لطريقة إبراهيم التي مدحها الله.
قوله :« كَذَلِكَ » منصوب ب « يَفْعَلُونَ » أي : يفعلون مثل فعلنا، و « يَفْعَلُون » في محل نصب مفعولاً ثانياً ل « وَجَدْنَا ».
قوله :﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ الأقدمون ﴾. أراد به أن الباطل لا يتغير بأن يكون قديماً أو حديثاً، ولا بأن يكون في فاعليه كثيرة أو قلة.
قوله :﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي ﴾ اللغة الغالبة إفراد « عَدُوّ » وتذكيره، قال تعالى :﴿ هُمُ العدو ﴾ [ المنافقون : ٤ ] وإنما فعل به ذلك تشبيهاً بالمصادر نحو :« الوَلُوعُ، والقَبُول » وقد يقال : أعداءٌ، وعَدُوَّةٌ، وقوله :« عَدُوٌّ لي » على أصله من غير تقدير مضاف ولا قلب، لأن العدو والصديق يجيئان في معنى الواحدة والكثرة، قال الشاعر :
٣٩١٠ - وَقَوْمٌ عَلَى ذَوِي مِئْرَةٍ أَرَاهُمْ عَدُوّاً وَكَانُوا صَدِيقَا
وتقدم الكلام في نظيره عند قوله :« إنَّا رَسُولُ ».
وقيل : المعنى :﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي ﴾ لو عبدتهم يوم القيامة، كقوله :


الصفحة التالية
Icon