وإنما كتبت على حكم لفظ اللافظ، كما يكتب أصحاب ( النحو ) لان ولاولى على هذه الصورة لبيان لفظ المخفف. وقد كتبت في سائر القرآن على الأصل والقصة واحدة، على « أنَّ لَيْكَةَ » اسم لا يعرف، وروي أَنَّ « أَصْحَابَ الايْكَةِ » كانوا أصحاب شجر مُلْتَفٍّ، وكان شجرهم الدَّوم، وهو شَجَرُ المُقل. يعني أن مادة ( ل ي ك ) مفقودة في لسان العرب. كذا قال الثقات ممن تتبَّع ذلك.
قال : وهذا كما نصُّوا على أنَّ الخاء والذال المعجمتين لم يجامعا الجيم في لغة العرب، ولذلك لم يذكرها صاحب « الصحصاح » مع ذكره التفرقة المتقدمة عن أبي عبيد، ولو كانت موجودة في اللغة لذكرها مع ذكره التفرقة المتقدمة لشدة الاحتياج إليها. وقال الزجاج أيضاً : أهل المدينة يفتحون على ما جاء في التفسير أنَّ اسم المدينة التي كان فيها شعيب ( « لَيْكَة » ).
قال أبو علي : لو صح هذا فلم أجمع القراء على الهمز في قوله :﴿ وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيكة ﴾ [ الحجر : ٧٨ ]، و « الأَيْكَةُ » التي ذكرت هاهنا هي « الأيْكَة » التي ذكرت هناك، وقد قال ابن عباس : الأَيْكَةُ : الغَيْضَة ولم يفسرها بالمدينة ولا البلد. قال شهاب الدين : وهؤلاء كلُّهم كأنهم زعموا أنَّ هؤلاء الأئمة الأثبات إنما أخذوا هذه القراءة من خط المصاحف دون أفواه الرجال، وكيف يظنُّ بمثل أسنِّ القرّاء وأعلاهم إسناداً، والآخذ القرن عن جملة من ( جلّة ) الصحابة أبي الدَّرداء وعثمان بن عفان وغيرهما، وبمثل إمام مكّة - شرّفها الله تعالى - وبمثل إمام المدينة، وكيف ينكر على أبي عبيد قوله أو يتَّهم في نقله؟ ومن حفظ حجةٌ على من لم يحفظ؛ والتواتر قطعيٌّ فلا يعارض بالظني، وأما اختلاف القراءة مع اتحاد القصة فلا يضر ذلك، عبِّر عنها تارةٌ بالقرية خاصة وتارة بالمصر الجامع للقرى كلها، الشامل هو لها، وأما تفسير ابن عباس فلا ينافي ذلك، لأنَّه عبر عنها بما كثر فيها.
قوله :﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ ﴾ ولم يقل : أخوهم؛ لأنه لم يكن من أصحاب الأيكة في النسب، فلما ذكر مدين قال :« أَخَاهُمْ » لأنه كان منهم، وكأن الله تعالى بعثه إلى قومه - أهل مدين - وإلى أصحاب الأيكة.
وفي الحديث :« إِنَّ شُعَيْباً أَخَا مَدْيَن أرسا إليهم وإلى أصحاب الأيكة ».
[ قال ابن كثير : ومن زعم من المفسرين كقتادة وغيره أنَّ أصحاب الأيكة أمة أخرى غير أهل مدين فقول ضعيف، وإنما عمدتهم شيئان.
أحدهما : أنه قال :﴿ كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيكة المرسلين إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ ﴾ ولم يقل :« أَخُوهُمْ » كما قال :﴿ وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً ﴾ [ الأعراف : ٨٥ ].
والثاني : أنه ذكر عذابهم ب « يَوْم الظُّلَّةِ » وذكر في أولئك « الرجفة والصيحة » والجواب عن الأول : أنه لم يذكر الأخوة بعد قوله :« أَصْحَابُ الأَيْكَةِ » لأنه وصفهم بعبادة الأيكة، فلا يناسب ذكر الأخوة هاهنا، ولما نسبهم إلى القبيلة ساغ ذكر شعيب بأنه أخوهم.


الصفحة التالية
Icon